أقوياء .. ولكن

أقوياء .. ولكن
يعتبر البعض القوة وسيلة للتحكم ومدعاة للفخر وسبباً من أسباب النصر، وهي صفة يفتقدها الكثير، ويسعى لامتلاكها الكثير، ويزعم امتلاكها الكثير، ومن يحقق أعلى مستوياتها ربما ليس بالكثير.

إن الكثير ممن يعد نفسه من الأقوياء هو في الحقيقة من أضعف الضعفاء، فهو يتبع أسهل الطرق التي تفرضها عليه نفسه، ويشجعه عليها هواه، ثم يبررها بأن هذه هي القوة والشجاعة والثقة، وهي في الحقيقة عجز عن السيطرة على النفس، وإطلاق لعنان الهوى، وسلك طريق عشوائي سهل دون تفكير. ولكنه يؤدي إلى المهالك، فتكون تصرفاته نتيجة لحب المال أو الشهرة أو الراحة والكسل أو غيرها.

أقوياء من الدرجة الثالثة!

فقد يرى من يستطيع أن يسيطر على الآخرين ويتحكم بهم أنَّه قويًّا بما فيه الكفاية، ويعد نفسه من الشجعان من يقول ما يخطر بباله دون مبالاة وما يقع على طرف لسانه دون حذر، ويظن نفسه من الواثقين من يفاخر بعيوبه كما هي، ويستسلم لها ويتجنب إرهاق نفسه بمحاولة إصلاحها، ويعتبر نفسه من الأذكياء من يغمض عينيه عن أخطائه حتى لا تزعجه، ويبررها حتى لا ترهقه، ويسميها بغير أسمائها ليسكت ضميره.
إن هذا القوي ضعيف أمام رغباته، وهذا الشجاع جبان أمام هواه، ومن جبن البعض أن يخشى الحياة ومواجهتها أكثر من خشيته للموت؛ فضعف نفسه يمنيه، وسيطرة هواة تؤجل المواجهة.
إن الهدم أسهل بكثير من البناء، ولو أعطيت طفلاً مطرقةً لاستطاع أن يحطم بحركة واحدة تحفة خزفية رائعة عكف صانعها عليها أشهراً مليئة بالعمل والجهد والإبداع، والكلام أسهل بكثير من الصمت، فمن السهل جدًا أن تقول كل كلمة تخطر ببالك متجاهلًا دقتها، ومهملا أثرها؛ فتغرّد بها في تويتر، أو تصرخ بها في وجه صديق، أو ترسلها في رسالة، وربما تسيئ إلى شخص أو تهين آخر، وتتكلم فيما لا تعلم، وتفتي فيما لا تتقن، فالكلام العشوائي لا يحتاج إلى تفكير ولا إلى جهد وتمحيص، فيقول الضعفاء ما يطرأ عليهم دون تكلف تقييمه أو تنقيحه أو مراعاة أثره، والظلم أسهل بكثير من العدل، فهو لا يتطلب أية حسابات، ولا يفرض أي تنازلات، وليس على الظالم إلا أن يطلق العنان لهواه ويسمح لنفسه بالتصرف دون قيم أو قيود.
وفي الحديث، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليسَ الشَّديدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّديدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”. [رواه البخاري ومسلم]. فالشدَّة أو القوة المادية ليست تلك التي تجعلك تسيطر على الآخرين أو تتحكم بهم، وإنَّمَا القوة الحقيقة هي ما تجعلك تتحكم بنفسك، وتسيطر على مشاعرك، وتُهذّب هَوَاك.

هذا من يمتلك القوة الحقيقية

إن التمسك بالقيم العالية من التحديات التي لا يقدر عليها إلا الأقوياء حقاً، أن تمنع نفسك من الإساءة وإن تم استفزازك، أن تحرص على الصدق وإن أضر بك، أن تتمسك بالأمانة وإن أغراك الشيطان، أن تسيطر على شهواتك وإن دعتك نفسك، أن تحسب كلماتك، وتقدر أثر تصرفاتك، وتحرص على العدل وإن أتعبك، وتؤثر على نفسك ولو كان بك خصاصة.
ليس عيباً ألا تستطيع التحكم بنفسك بشكل كامل، فكلنا بشر، وهذا متوقع، ولكن من الضعف أن نستسلم لأهوائنا، ونبرر أخطاءنا، ونطلق العنان لجوارحنا دون حرج. 


www.entrprnrshp.com
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::