الحكمة من تشريع الخلع


الحكمة من تشريع الخلع


 قد أشار القرآنُ الكريم إلى الحكمة من تشريع الخلع عند النص على مشروعيته؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229].

فتشريع الخُلع هو للتوقي من تعدِّي حدود الله التي حدها للزوجين؛ مِن حُسن المعاشرة، وقيام كلٍّ منهما بما عليه من حقوق للآخَر[1].

 إن الحياة الزوجية - كما قدمنا - تقومُ على دعائمَ وأسسٍ تضمن لها النجاحَ والصلاح، فإذا تهدَّمت تلك الدعائمُ وتلاشَتْ هذه الأسسُ، تُصبِح الأسرة بِناءً هشًّا لا يتحقق منه الغاية من الزواج كما يرضى الله ورسوله.

فإذا شعَرت المرأةُ ببُغضها لاستمرار الحياة الزوجية، ووجدت في زوجها ما لو وجَده فيها لطلَّقها، وخشِيت أن تخوضَ في حدود الله - فهنا يأتي التشريعُ الحكيم بأن يمنح المرأة الحقَّ في طلب الخُلع، كما منح الرجل الحقَّ في إيقاع الطلاق؛ فالنساء شقائقُ الرجال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].

• وتشريع الطلاق لا يُغني عن تشريع الخُلع؛ فقد يأبى الرجل أن يطلِّق، وتأبى المرأة أن ترفع أمرَها للقضاء بطلب الطلاق؛ حتى لا تتكشفَ أسرار حياتها الزوجية وعيوب زوجها الخُلقية والجسدية عند سردِها لأسباب طلب الطلاق، فضلاً عما في سلوك طريقِ القضاء من وقت وجُهد وطولِ إجراءات.

وقد جاء في المغني أن "الخلع شرع لإزالة الضرر الذي يلحقها - أي الزوجة - بسوء العِشرة، والمقام مع مَن تكرَهُه وتُبغِضه"[2]، فكأنه شُرِع لمصلحة الزوجة ولتخليصِها مِن الزوجِ على وجهٍ ليس فيه رجعةٌ له عليها.

ولَمَّا كانت المرأةُ قد استحقت الصَّداقَ بموجب عقد الزواج، كما أن الزوج - عادة - ما يكون قد أنفق مالاً كثيرًا لإتمام هذا الزواج، فهي - في الخلع - ترُدُّ أو تدفع ما يكون عِوَضًا للزوج عن مفارقتِها له؛ حتى لا يجتمع عليه خَسارةُ أهله وماله.

 ونستطيع أن نعُدَّ تشريع الخُلع من روائع وعظمة التشريع الإسلامي، ونلجم به ألسنة من يدَّعون - ظلمًا وعدوانًا - أن الإسلامَ قد انتقص من قدرِ المرأة، أو كبَّل إرادتَها، وسلَبها حريتَها وحقوقها.

وليس أعظمُ من موقفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه زوجاتُه يَشْكون قلةَ النفقة، وضَنْكَ العيش، فنزلت الآيةُ الكريمة بتخييرِهن بين البقاء أو الفِراقِ، فاختَرْنَ اللهَ ورسوله؛ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29].


[1] المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم؛ د/ عبدالكريم زيدان، ج 8 ص 125.
[2] المغني؛ لابن قدامة ج 7 ص 52.



لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::