رمضان وإدارة التغيير الإيجابي


ما أكثر حديثنا عن "التغيير الإيجابي"، وعن أفضل الكتب التي تعطينا خطط التغيير، والدورات التي تعلمنا إدارة التغيير الإيجابي في جوانب حياتنا..في عاداتنا السلوكية، وفي أفكارنا ونظرتنا للأمور..وأيضاً في علاقاتنا بالآخرين ..كل هذه الجوانب نحتاج إلى التغيير للأفضل فيها على الدوام، فالله عزّ وجلّ يوفق من يسعى بجدية للترقي نحو الأفضل، قال تعالى:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" – سورة: الرعد:11 - ، ويعينه أيضاً على هذا التغيير، قال تعالى:"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " – سورة العنكبوت:69 -
وهذه الأيام تستقبل أمتنا أفضل فرصة للتغيير الإيجابي على الإطلاق، فهنيئاً لنا ولكل مسلم على وجه الأرض قدوم شهر رمضان العظيم، الذي جعله الله سبيلاً إلى الترقي في معارج التقوى، قال تعالى:" ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " – سورة البقرة:183- 
والصيام في اللغة معناه: الإمساك والكف عن الشيء ، وفي الشرع : الإمساك عن الأكل والشرب وغشيان النساء من الفجر إلى المغرب احتسابا لله ، وإعداداً للنفس وتهيئةً لها لتقوى الله بالمراقبة له وتربية الإرادة على كبح جماح الشهوات ، ليقوى صاحبها على ترك المضار والمحرمات. (فضيلة الشيخ/محمد رشيد رضا:تفسير المنار،ص:116/نقلاً عن موقع:الشبكة الإسلامية على الانترنت)
لنستجمع الإرادة ونبدأ التغيير:
التغيير الإيجابي ليس بالأمر السهل، إنما يحتاج منا جميعًا إلى إرادة صلبة، وعزيمة قوية، وقرار شجاع وسعي حقيقي للتغيُّر، ومن قصرت همته لا يستطيع أن يغير أي شيء، في نفسه أو غيره. وفي الأثر :" ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي : قصر الهمة، وقلة الحياء، وضعف الرأي"، فالتفاضل بين الناس إنما يكون بالهمم العالية لا بالرمم البالية".
  
لماذا تزداد فرصة التغيير الإيجابي في شهر رمضان المبارك ؟
إنّ شهر رمضان فرصة ثمينة لتغيير سلبيات السلوك وتقويمها، وإصلاح النفوس وتهذيبها، فالاعتناء بجوانب التغيير في هذا الشهر الفضيل، والحرص على الاستفادة من مدرسة الصوم هي من أجلّ المقاصد التي شُرع الصيام من أجلها "لعلكم تتقون"، ومن أهم المعينات على ذلك:
- أن رمضان تزاح فيه العوائق والمثبطات، وتتجدد فيه الحوافز والمغريات من أجل أن يرقى المسلم فيه بإيمانه ودرجات عمله إلى الأعلى، فيسلك طريق التقوى وهي من أعظم مقاصد الصوم؛ ففيه تصفد الشياطين... فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل!! قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» - رواه الترمذي:682 -
- كما أن الصيام يضيق مجاري الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق...
وهذا هو أشد الأعداء وقد كفيت إياه، بقيت النفس الأمارة بالسوء.. فإنه بعد تضييق مجاري الشيطان سيضعف أمرها بالسوء... وتكون العين التي تنظر والأذن التي تسمع إلى كل ما حولهما من مظاهر الطاعة والعمل الصالح يرسلان للقلب إشارات بإيقاظ الخشية من الله والحياء من الناس فلا تقترف شيئا يجرح الصيام، وتأمل..لو خلا الصائم بنفسه حيث لا يراه أحد.. لم يفكر بالفطر مهما بلغ به الأمر، بل ولو أعطي شيئا مقابل الفطر لم يفعل؛ لما يجد في نفسه من التعظيم لشعائر الله. (راشد العسيري:مقال (رمضان فرصة للتغيير): /شبكة الانترنت)
 
- لأن الصيام يفطم النفس عن كثير من شهواتها ويدربها تدريباً عملياً على التقلل من المباحات، ففي شهر رمضان يلتزم المسلم بتغيير بعض عاداته كالأكل مثلاً.. ويتغير نظام نومه!! كما أن كثيرًا من المسلمين يلزم نفسه بأمور (إيجابية) كان بعيدًا عنها كقيام الليل.. بل ربما يطول القيام كما يحصل في العشر الأواخر، كما يعكف على القرآن الكريم قراءةً وحفظًا وتدبرًا.. وتكثر الصدقات وألوان البر الأخرى.. (محمد موسى الشريف:التدريب وأهميته في العمل الإسلامي،ص:148 بتصرف)
 
- لأن المسلم يلزم نفسه في رمضان بتغيير بضبط النفس قدر المستطاع.. فهو يتجنب كثرة الأكل، ويبتعد عن القيل والقال بلا فائدة، بل لا يرد على مسيء (فليقل إني امرؤ صائم), ويبتعد عن النظر الحرام ولا يتأخر في صلاة ولا يدخن الأمر الذي يحتاج إلى مجاهدة النفس، وكسر بعض ما تعودت عليه من الكسل والخمول والعادات السيئة الأخرى. (عمر محمد رزق الله:مقالة:جاء رمضان فليبدأ التغيير الإيجابي/شبكة الانترنت)
- في رمضان ينتظم وقت المسلم انتظامًا دقيقًا.. بل يحصل من المجاهدة الشيءُ الكبير في سبيل المحافظة على الوقت.. فالإمساك يبدأ مع أول جملة ينطقها المؤذن، ولا يمكن أن يتأخر المسلم في الأكل والشرب بعد أن يسمع الأذان الثاني، وكذلك ينتهي الإمساك مع أول تكبيرة ينطق بها المؤذن لصلاة المغرب، ويلتزم الصائمون جميعًا بل يتسابقون لينالوا خيرية التعجيل في إنهاء الصيام.
إن تنظيم أوقات الصيام للصائم لا شك أنه محفز لمن يريد أن يبدأ مسيرة التغيير.. فمن شروط التغيير المهمة الالتزام بالوقت.. فمن المهم أن تلزم نفسك في كل عمل تؤديه بوقت تبدأ فيه ووقت تنهيه.
- قوة المحفزات: إن الصائم وضع لنفسه هدفًا بالليل أن يصوم اليوم التالي ويمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطّرات ولغو الحديث وسيِّئ العمل، ثم يجاهد نفسه على ترك القبيح وفعل كل جميل حتى يحين وقت المغرب, وحين يفطر الصائم تصيبه إحدى الفرحتين بإتمام عمله وثبوت الأجر بإذن الله تعالى.. وتبقى الفرحة الأخرى يوم يلقى ربه..وهي المحفز الأكبر الذي يضعه نصب عينيه وهو ما جاء في الحديث القدسي عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" – متفق عليه - .
ومن أكبر المحفزات أيضاً علم الصائم أن الصيام والقيام من أسباب تكفير ما تقدم من الذنوب، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" - متفق عليه -.
ويتكرر هذا على مدار الشهر كله.. فلا تفارق مخيلة المسلم تلك المحفزات الكبيرة... بل يزيد العمل وتكون نتائجه أكبر كلما سارت الأيام حتى تأتي ليلة القدر ثم آخر ليلة في الشهر، حيث يعتق الله من عباده مثل ما أعتق من أول الشهر إلى آخره..فما أروع من محفزات..!
 
- التغيير يحتاج لتكرار.. والمختصون يقولون: إن الإنسان يحتاج من 6 إلى 21 يومًا ليعتاد على سلوك جديد.. فما بالك والعادات الجديدة في رمضان نكررها من 29 إلى 30 يومًا.. فلتجعل عاداتك الجيدة التي تريد أن تسير عليها من ضمن برنامجك اليومي في رمضان (عادة القراءة - أذكار الصباح والمساء - نوافل الصلوات - الاستغفار - قراءة القرآن - زيارة الأقارب...)، كل ذلك تجعل له وقتًا في يومك الرمضاني، وستجد له وقتًا، وسترى كيف يبارك الله في الوقت.
- اشتراك الجميع في التغيير: إن الصوم في شهر رمضان يوجد نمطاً تغييراً عاماً يشمل جميع أفراد المجتمع المسلم، فكل مسلم يشترك في منظومة التغيير الباطني والظاهري، وهذا عامل من أعظم العوامل المساعدة على التغيير، فالذي يعزم على التغيير لا يكون وحده بل يجد التغيير في كل الناس من حوله، وإذا لم تنجح في التغيير مع وجود الجم الغفير، والزمن الطويل فأظنك لن تقدر على التغيير، ومن لم يغير قبائح العوائد في رمضان فمتى يغيرها ؟ فكن من العقلاء الأتقياء الذين يدورون مع مراد الله، إذ المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات..

إن العوائد كالأغلال تجمعنـــــــــا                   على قلوب لنا منهن أشتات
والحر من خرق العادات منتهجاً                   نهج الصواب ولو ضد الجماعات

وأخيراً..أعزائي القراء
لنستقبل شهرنا العظيم استقبال ونحن نعلم أن بين أيدينا فرصة حقيقية وكبيرة للتغيير الإيجابي..فلنشحذ عزائمنا ..ولننطلق نحو مناهل الخيرات في رمضان راجين من الله تعالى أن يمنحنا في الدنيا القوة والإرادة والصبر والتقوى، ولأخرانا الفوز برضوانه في جنات النعيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
-         مقال:جاء رمضان فلنبدأ بالتغيير الإيجابي:عمر محمد رزق الله/ شبكة الانترنت
-         التدريب وأهميته في العمل الإسلامي:د.محمد موسى الشريف
-         مقال (رمضان فرصة للتغيير):راشد العسيري/شبكة الانترنت


-    من موقع مفكرة الاسلام
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::