كيف أساعد أطفالي على حفظ القرآن الكريم؟


بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أساعد أطفالي على حفظ القرآن الكريم؟
د. المصطفى إيدوز 
*************************************



لا شكَّ أن هناك طُرقًا عدَّةً ومتنوِّعة لجعْل الأطفال يُقبِلون على حفْظ كتاب الله تعالى، إلا أنه يَجب الإشارة إلى أنَّ عامل الحبِّ والتَّحبيب والترغيب يَبقى العاملَ الأول والأساس الذي يُمكِن إعتِمادُه في هذا الباب، بعد الدعاء والتوكُّلِ على الله والإفتِقارِ إليه - سبحانه - إضافةً إلى أنَّ الوالِدَين قُدوةٌ في المقام الأول للوصول إلى هذه الغاية، مع الصبْر والتحمُّل، والتَّكرارِ الرفيق، والمُتابَعةِ الراشِدة الحانِيَة، والأبُ والأمُّ سواء في هذا العمل، وإن كانت السيِّدة الأمُّ هي الأساسَ الأول في هذا العملِ العظيم عِند الله تعالى، وفيما يلي بعض التوجيهات المساعِدة: 

1- بركة استماع القرآن للحامِل:
ذكَر عدد مِن العلماء في الولايات المتحدة أنَّ الجنين يتأثَّر بكل الحالات التي تكون عليها الأم مِن فَرَح وغضَبٍ، وسعادةٍ وكآبة، فإن هي كانت تَقرأ بصوت مُرتفِع، تأثَّر الجنين بما تقرأ، فكيف إذا كان الذي تقرؤه هو القرآن الكريم، أو كانت تُكثِر مِن سَماعه؟ فإن الراحة التي تَستشْعِرها الأم تعود على جنينها بالخير الكبير، وما يُحدِثه الله تعالى في غَيبه فهو أعظم، ويؤكِّد هذا فضيلةُ الشيخ الدكتور "محمد راتب النابلسي" في قوله : "إنَّ الأم الحامل التي تقرأ القرآن تَلِد طِفلاً مُتعلِّقًا بالقرآن"[1].


2- الاستماع للقرآن وقراءته أثناء فترة الرضاعة:
ذكَر العُلماء أنَّ الرضيع يتأثر كثيرًا بالأشياء المحيطة به؛ حيث إنَّ حاسَّة السمْع تكون قد بدأت في استقبال ما يَصدُر نحوها، فيُخزِّن الرضيعُ تلك المفرداتِ، وإنْ لم يَقدِر على توظيفها في هذه الفترة - أيْ فترة الرَّضاعة - فإنه يُوظِّفها فيما بعد، وإذا وفِّقَت المُرضِع إلى الاستماع للقرآن في هذه الفترة، أو تقرؤه بصَوت مسموع، فلا شكَّ أن هذا يؤثِّر على الرَّضيع كثيرًا، ويُسهِّل عليه حفظَ القرآن - بإذن الله تعالى - لذا نرى المولى سبحانه يوصي الأمَّ بأن تُرضِع طِفلَها حولَين كاملَين، ويجعل هذا حقًّا من حقوق الطفل، كما نراه - عزَّ وجل - يَكفُل للأم في هذه الفترةِ الطعامَ والكساء هي ورضيعها، كما جاء في قوله سبحانه: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].


3- قراءة القرآن أمام الأطفال:
كم رأينا مِن طفْل صغير يُحاكي جلوس والدَيه، أو حركات الرُّكوع أو السجود، ومِن ثمَّ فالإكثار مِن قراءة القرآن أمام الأطفال يُحبِّبه إليهم، ويُحفِّزهم على حفْظِه فيما بعْد، إضافة إلى البَركة العظيمة التي يُنزِلها الله تعالى عِند التِّلاوة، فيعمُّ خيرها أهلَ البيت جميعًا، واجتماعُ الأسرة لقراءة القرآن أمرٌ مرغوب محبوب كثيرًا، وفضْله لا يُعد ولا يُحصى.


4- مِن أجمل الهدايا التي تقدَّم للأطفال المصاحف:
جُبل الإنسان على حبِّ التملُّك، وطالَما رأينا الأطفال يَلتصِقون بلُعَبهم، ويَحفظونها في مكان معين، ويتعهَّدونها مرَّةً بعد مرَّة، فهذه الغريزة لا بدَّ أن نوظِّفها بشكْل إيجابيٍّ أكبر، ومِن ثمَّ؛ فإن إهداء المصاحف للأطفال في مناسبات مختلفة يجعلهم أكثرَ تعلُّقًا به؛ مما يَدفعهم للإقبال على حفْظ القرآن الكريم دون توتُّر.


5- الاحتفال حين يَختِم أطفالُنا القرآن قراءة:
التَّحفيز والترغيب مُحبَّبٌ إلى النفس، وهو في نفْس الأطفال أشدُّ، فكلما وفَّق الله تعالى أطفالَنا لختْم أجزاء مِن القرآن، قدَّمنا له الهدية في حفْل صغير، وهو حدَثٌ لا يُنسَى في حياة الطفل، وفُرصَة يتمنَّى تَكرارها، و يَزيد مِن تعلُّقه بكتاب الله تعالى، إلى أن يصل إلى مرحلة المحبَّة الكُبرى، فالإقبال على الحفظ بحبٍّ وشغفٍ، ودون أوامِر أو تَعنيف.


6 - قصُّ ما ورَد في القرآن الكريم مِن قصص على مَسامع الأطفال:
الحكي مُحبَّب إلى نفْس الطفل، وإذا وفِّق الأبوان إلى سرْد ما ورَد في القرآن مِن قصص بأسلوب سهْل ومُشوِّق، واستِخراج العِبر، بطريقة تُسهِّل على الطفل كلَّ ما يَسمعه، لنَختِم ذلك بقراءة النص القرآني التي وردت فيه هذه القصة، فإن ذلك يُسهِم في تعلُّق الطفل بالقرآن، وفي الرغبة في المزيد مِن سماع القصص القرآني؛ بل وحفْظه بكل يُسر، وكل هذا ينمي الرصيدَ اللُّغويَّ القرآني لدى الطفل.


7 - المسابقات المحفِّزة على حفظ القرآن الكريم، خصوصًا قصار السور:
تَنعقِد هذه المسابقات داخل فضاء المنزل بينه وبين إخوته، أو استدعاء أصدقائه إلى البيت مِن أجْل تشجيع الجميع على الحفْظ، أو استدعاء أبناء الجيران، ويُراعى في هذه الأسئلة أن تَتناسب وسنَّ الصغار؛ كأنْ نسأل الأطفال عن الحيوان الذي استعمَله أبرهة الحبشي في حربه ضد قُريش - أي: الفيل - أو نسأل عن كلمة تدل على السفر مِن سورة قُريش - أي: رحلة - وكذلك السؤال عن فصلَين مِن فصول السنة ذُكِرا في سورة قريش - أي: الشتاء والصيف - أو ذكْر كلمة تدلُّ على الرغْبة في الأكل - أي: الجوع - وكل ذلك بما يُناسِب سنَّ الأطفال ويَحثُّهم على حفْظ كتاب الله تعالى.


8 - نُعلِّم الأطفال في سنواتهم الأولى مِن خِلال القرآن الكريم:
نُعلِّم الأطفال الكتابة والقراءة مِن آي القرآن الكريم، والحِساب مِن عدد الركعات، وعِلم الأحياء مما ورد في القرآن مِن ذكْر أصناف الحيوانات، والتاريخ مِن قصص الأمم السابقة، ومَظاهر الكون مما ورَد ذِكرُه في القرآن عن السماء والأرض، والأنهار، والبحار، وغير ذلك، وهذا كله يَزيد مِن تعلُّقهم بالقرآن الكريم.

9- البحث عن كلمات القرآن بما يُوافِق سنَّ الأطفال:
يَكون الطفل حريصًا في سنواته الأولى على تنْمِيَة رصيده اللغويِّ، ويُحاول أن يتعلم ما استطاع مِن المُفردات، ويُحاول تركيبها مع غيرها، وقد نَغنم هذه الفرصة في مساعدته على تنمية رصيده اللغوي مِن القرآن الكريم، خصوصًا قِصار السور، كأن نسأله عن كلمة قريش في أيِّ سورة توجد؟ وكلمتي التين والزَّيتون، وغيرها؛، مما يَدفعه لحفْظ هذه السور، والرغبة في مَعرِفة المفردات التي تحتويها.


10- نجعل القرآن يُصاحِب الأطفال في غُدوِّهم ورَواحِهم:
مثْل أن نُهديَهم مُصحفًا مِن الحجم الصغير، ونُرغِّبهم في حمْلِه معهم، باعتباره مَصدر طمأنينة لهم، وبركة تُصاحِبهم في غُدوِّهم ورَواحِهم، وتَحفظُهم - بإذن الله تعالى - مِن الشرور، فيَزيد تعلُّقهم به، والرغبة في حفْظه في الصدور، مع تعليمهم آداب التعامل مع القرآن الكريم.


11- تحفيز الأطفال على مشاهدة القنوات الخاصة بالقرآن، خصوصًا مسابقات الأطفال في حفْظ القرآن:
فهذا يُحفِّزهم على المنافسة؛ إذ يُشاهد أطفالاً مِن نفْس الفئة العمرية التي ينتمي إليه يَتنافسون في حفْظ القرآن، ويُكرمون غايةَ الإكرام، ويَشرُفون لما معهم مِن كتاب الله تعالى، ويقوم الوالِدان بتشجيع الأطفال على الحفظ للمشاركة في هذه المنافسات الربانية، ولنُرسخ في أذهانهم أنهم قادِرون على أن يكونوا أمثال هؤلاء الذين نشاهدهم، أو قد يتفوَّقون عليهم.


12- استعمال الوسائل الحديثة الميسِّرة للحفظ:
ذلك أن معظم الأطفال لهم ولَعٌ بهذه الوسائل الحديثة، وإذا وظِّفتْ في هذا المجال يسَّرت على الأطفال حفْظَ القرآن، إضافةً إلى تلبية رغبتهم الدفينة في استعمال هذه التقنيات الحديثة، التي غالبًا ما توظَّف في أشياء أخرى، إضافةً إلى أن هذه الوسائل تُمكِّن الأطفالَ مِن تسجيل قراءتهم والاستماع إليها، ومعرفة أخطاء القراءة، إلى غير ذلك.


13- لنشجع أطفالنا على المشاركة في كل المسابقات، سواء في المساجد أو المدارس أو الجمعيات، إلى غير ذلك:
غالبًا ما يَعجِز الأطفالُ عن حفْظ القرآن بمُفردِهم، ولكن إذا كان الأمر بشكْلٍ جماعيٍّ، فهم أشد تنافُسًا في ذلك، خصوصًا إذا رُصدتْ بعض الجوائز للمتفوِّقين، فالطفل يسعى دائمًا إلى أن يتفوَّق، وإن لم يُحالِفه الحظُّ، فهو يَستمرُّ في المنافسة والحفْظ؛ حتى تَحصُل له الرغبة الفِطريَّة في الإقبال على حفْظ القرآن الكريم، إضافةً إلى الإشادة بجهوده وبرغبته المتواصِلة على الحفظ.


14- تشجيع الأطفال على تسجيل قراءتهم للقرآن:
وهذا يُورِث الثِّقةَ بالنفس عِند الأطفال، والشعور بأنهم قادِرون - بإذن الله - على حفْظ القرآن الكريم، وأنهم قد يوفَّقون كي يُصبِحوا مِن أهْل القرآن؛ بل ومِن مَشاهيرِهم، إضافةً إلى أنَّ التسجيل المُتكرِّر للقراءة يُمكِّن للقيِّم على الأطفال إدراكَ مدى تطور القراءة وانتقالها مِن مرحلة إلى أخرى. 


15- تشجيع الأطفال على المشاركة في كل الأنشطة الدينية في المدرسة مِن خلال قراءة القرآن: 
لا شكَّ أنَّ كثيرًا مِن الأنشطة كانت سببًا في ظهور عدد من المواهب التي صُقلت فيما بعد، فأصبح أصحابها مِن المُميَّزين اجتماعيًّا؛ إنَّ مشاركة الأطفال في الإذاعة المدرسية بقراءات قرآنية، وثناء المعلِّمين والمسؤولين عليهم - يُحفِّزهم أكثر على التعلُّق بحفظ القرآن، وهنا نشير إلى أنه ينبغي على المدرِّسين والإداريِّين تشجيعُ الأطفال في هذا المجال، والثناء عليهم في كل مرة، والإشادة بهم داخل القِسم؛ ليَزدادوا حبًّا للقُرآن، ويزدادوا تعلُّقًا بحفْظه وضبْط قراءته، كما أنَّ على الوالدَينِ أن يكونا على اتِّصال دائمًا بالمدرِّسين؛ لتنمية هذا التعلُّق - أي: التعلُّق بحفظ القرآن - في نُفوس الأطفال.

16- الاستماع إلى الأطفال وهم يَقرؤون القرآن، أو يَقصُّون علينا قصص القرآن:
كثيرًا ما نجد بعض المربِّين أو بعض الآباء لا يُعيرون اهتمامًا لقراءة الأطفال أو لقصِّهم لبعض قصص القرآن؛ مما يجعل الطفلَ يَشعُر بالإهمال والنُّفور مما يقرأ أو يقصُّ، والصحيح أنه ينبغي الإنصات للأطفال بكل اهتِمام، مع إشارات التشجيع والقُبلَة المُحفِّزة، مع تصحيح بعض المعلومات أو تيسيرها أكثر؛ لكي تكون مفهومةً بشكل جيِّد لدى الأطفال، وهذا كله يمدُّه بالقوة لكي يَستمرَّ في حفْظه وفي اجتهاده، ويورِث لديه الثِّقة بالنفس، ويُدرِّبه على حسن الإلقاء. 


17- تشجيع الأطفال على أن يؤمَّ بعضهم بعضًا:
خُصوصًا في البيت إذا اجتمع الأطفال بأصدقائهم أو بأبناء الجيران، لا بأس مِن تحفيز طفْلكم على إمامة أصدقائه؛ ليَزيده هذا ثِقةً بنفسِه، وليُقبل على حفْظ كتاب ربِّه.


18- المجلس الأسبوعي للقرآن الكريم بالمنزل:
لا بدَّ أن يَتعاون أفراد الأسرة على عقْد مجلس أسبوعي للقرآن الكريم داخل البيت، بكل ما يحتاج هذا المجلس مِن تعظيم وتوقير، وتشويق وتَحبيب، خصوصًا الأطفال؛ حتى تَكون هذه المناسبة الأسبوعيَّة تَحفيزًا لهم على حفْظ القرآن الكريم.


19- حلقات المسجد ضرورة في حياة الطفل:
وحلقات تحفيظ القرآن مِن أهمِّ ما يَنبغي أن يَحرِص عليه الوالدان؛ وذلك لما له مِن أهمية بالِغة؛ إذ يَدخُل الطفْل في عالم التنافُس مع أقرانه، إضافةً لضبْطه قواعد القراءة الصَّحيحة والتجويد.


20- تنظيم مسابقات مُمتِعة حول القرآن:
وذلك يدفع الطفلَ للحفظ، وللبحث في كل ما له علاقة بالقرآن الكريم، ويُراعى في هذا السهولةُ واليُسر.


21- تشجيع الأطفال على البحث في المعاجم المُيسَّرة لمعرفة معاني القرآن الكريم:
وهذا مِن شأنه أن يُنمِّي ثروتهم اللغوية، ويجعل علاقتهم بالقرآن الكريم تَزداد أكثر.


22- حثُّ الأطفال على قراءة كُتبِ التفسير المُيسَّرة:
ومعرفة تفسير آيِ القرآن يُحفِّزهم كثيرًا على حفْظه، مع مراعاة مَراحِلهم العُمرية، ويُركز على تفسير الآيات التي تتضمَّن قصَصًا للقرآن، وعلى قصار السور.


23- مجالس العلم للأطفال تنير الطريقَ إلى القرآن:
كم مِن طفْل فتح الله تعالى له بسبب حضوره مجالس العلم مع والديه، وحُبِّب إليه القرآن، وكل ما له علاقة بالقرآن، وغُرس فيه حبُّ السؤال والحوار، فيتطلَّع الطفل إلى المعالي الكبرى، وأفضل المعالي عند الله تعالى كتابُه العظيم.


24- توظيف المصطلحات القرآنية في حياة الطفل:
فإذا ذكَّرناه بالتقوى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ [النحل: 128]، وبطاعة والدَيه: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وغيرها من الآيات التي نستطيع مِن خِلالها إرشاده إلى الخير في حياته اليومية.

هذه بعض التوجيهات الكُبرى المساعِدة للطفل كي يَحفظ القرآن الكريم، وإلا فهناك تَجارِب أخرى ربما قد تَسير في المسار نفسه، وتَفتِل في الحبل ذاته، ولْنتذكَّر أمورًا هامة وأساسية هنا، وهي:

• التحبيب والترغيب بدل التعنيف.
• التشويق والتيسير بدل التعسير.
• الهدية المحفِّزة والكلام المشجِّع.
• المنافَسة الشريفَة والتعلُّم الجماعي.
• التعليم بالقرآن ومِن خِلال القرآن.
• الصبر المُتواصِل، والنفَس الطويل.
• الدُّعاء ثُمَّ الدعاء ثم الدعاء.

[1] فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، "تربية الأولاد في الإسلام": الدرس (2: 30) التربية الإيمانية.

لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::