يومُ العمُر
لم يكن ذلك الرجلُ يعلم أنَّ اليومَ الذي أماطَ فيه الشوكَ عن طريق الناس، كان أفضلَ أيام حياته إذ غفَر اللهُ له به.
ولم تكن المرأةُ البغيُّ تتوقَّعُ أن يكونَ أسعدَ أيام حياتها ذلك اليوم الذي سقَت فيه كلبًا أرهقه العطشُ، فشكر اللهُ صنيعَها وغفر لها.
إنَّ أسعدَ أيام يوسفَ عليه السلام كان ذلك اليوم الذي انتصرَ فيه على داعي الغريزة ووقف في وجه امرأة العزيز، قائلًا: (معاذ الله)، فترقَّى في معارج القُرب، وحظيَ بجائزة (إنه من عبادنا المخلَصين).
من شهدوا بدرًا قيل لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
ولما طأطأ طلحةُ ظهرَه للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ يومَ أحُدٍ قال له: "وجَبَت"، أي الجنة.
إنَّ العبد قد يُكتَبُ له عزُّ الدَّهر وسعادةُ الأبد بموقفٍ يُهيِّئُ اللهُ له فرصتَه، ويُقدرُّ له أسبابَه، حينما يطلعُ على قلب عبده فيرى فيه قيمةً إيمانيةً أو أخلاقيةً يحبُّها، فتشرقُ بها نفسُه وتنعكسُ على سلوكه بموقفٍ يمثِّلُ نقطةً مضيئةً في مسيرته في الحياة، وفي صحيفة أعماله إذا عُرضت عليه يومَ العرض.
فيا أيها المبارك.. أينَ يومُك؟ هل أدركته أم ليس بعد؟
توقَّعْ أن يكون بدمعةٍ في خلوة، أو مخالفةِ هوىً في رغبة، أو في سرور تدخلُه إلى مسلم، أو مسح رأس يتيم، أو لثم قَدَمِ أمٍّ، أو قول كلمة حق، أو إغاثةِ ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو كظم غيظ، أو إقالة عثرة، أو سَتر عورة، أو سدّ جوعة، وهكذا، فأنت لا تعلمُ من أين ستأتيك ساعةُ السَّعدِ.
لقد رؤيَ الشاعرُ أبو الحسن التّهاميِّ في المنام بعد موته، فقيلَ له: ما صنعَ اللهُ بك؟ فقال: غفر لي بقولي:
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّه *** شتَّانَ بين جواره وجواري
وهو بيتٌ من قصيدةٍ طويلةٍ رثا فيها ولدَه.
أيها الموَفَّقُ:
ليكُن لك في كلِّ يومٍ عملٌ على نيَّةِ أن يكونَ عملَكَ المُنجي، فلعلَّهُ يكونُ يومَك الموعود.. يومَ العمر.