في حكم الاحتفال برأس السَّنَةِ الميلادية
الفتوى رقم: ١٦١
الصنف: فتاوى العقيدة - الولاء والبراء
في حكم الاحتفال برأس السَّنَةِ الميلادية
السؤال:
ما رأيُ الإسلام فيما يُعرف الآنَ باسم: «عامٌ سعيدٌ» احتفالًا برأس السنة الميلادية؟ أجيبونا مأجورين.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيجدر التنبيهُ أوَّلًا إلى أنه ليس للإسلام رأيٌ في المسائل الفقهية والعقدية على ما جاء في سؤالكم؛ لأنَّ الآراء تُنسب لأهل المذاهب الاجتهادية المختلِفة، وإنما للإسلام حكمٌ شَرْعِيٌّ يتجلَّى في دليله وأمارته.
ثمَّ اعْلَمْ أنَّ كلَّ عملٍ يُراد به التقرُّبُ إلى الله تعالى ينبغي أن يكون وَفْقَ شَرْعه وعلى نحو ما أدَّاه نبيُّهُ صلَّى الله عليه وسلَّم، مُراعيًا في ذلك الكمِّيةَ والكيفية والمكان والزمان المعيَّنة شرعًا، فإن لم يهتدِ بذلك فتحصل المُحْدَثات التي حذَّرَنا منها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(١)، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣].
والاحتفال بمولد المسيح ـ عند النصارى ـ لا يختلف حكمُه عن حكم الاحتفال بالمولد النبويِّ؛ إذ لم يكن موجودًا على العهد النبويِّ، ولا في عهد أصحابه وأهل القرون المفضَّلة، وإنَّ كلَّ ما لم يكن على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه دينًا لا يكون اليومَ دينًا على ما أشار إليه مالكٌ ـ رحمه الله ـ لمَّا قال: «مَنِ ابْتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَانَ الرِّسَالَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]»(٢). فضلًا عن أنَّ مثل هذه الأعمالِ هي مِن سُنَنِ أهل الكتاب مِن النصارى الذين حذَّرَنا الشرعُ مِن اتِّباعهم بالنصوص الآمرة بمخالفتهم وعدمِ التشبُّه بهم؛ لذلك ينبغي الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة اعتقادًا وعلمًا وعملًا؛ لأنه السبيلُ الوحيد للتخلُّص مِن البِدَع وآثارِها السيِّئة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ شعبان ١٤١٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ جانفي ١٩٩٦م
الموافق ﻟ: ١٥ جانفي ١٩٩٦م
(١) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابن ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباع سنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِن حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وحسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١/ ١٨١)، وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (٩٣٧).
(٢) ذَكَره الشاطبيُّ في «الاعتصام» (١/ ٢٨).
********************************
http://ferkous.com/home/?q=fatwa-161