الأقصى بخيرٍ.. فاطمئن
تكثرُ الأحداث حتى نكادُ لا ندري أيها أكثرُ ألماً، أي البلادِ فقدها يغدو أكثرَ وجعاً؟ أي الأطفال يبدو مستقبلهم أكثر قلقاً؟ نغيبُ في طيِّ الأحداث وكأنّها لا انتهاء لها. نذكرُ أننا يوماً كنا نجتمعُ على همٍّ واحد، وتتناقلُ صحائفنا ذكرى نكبات بلدٍ واحد، ونجتمع في مؤتمراتنا وقممنا لنتناقش "صورياً أو حقيقياً" لأجل بلدٍ واحد. كنّا نرى القدس حلمنا وألمنا ورباطنا ووجعنا وكلًّ مشاعرنا، ولا زلنا وسط كلِّ الأحداث والأخبار نرى في القدس بوصلةً يحدث كلُّ ما يحدث في المنطقةِ لأجلِ انتهاكها والتنازل عنها.
تغيبُ الأخبار عن القدس، ما عادت أخبار الأقصى تتصدّر النشرات، نظنُّ أن الأمور تمرُّ بخير، ويبدو الأمرُ وكأنَّ لا مستجدات هناك؛ إذن الأقصى بخيرٍ فلنطمئن. ثم تفاجئك أخبارٌ في زاوية ما، عاجلٌ قد تمرَّ عليه مرور الكرام والسلام: "الاحتلال يشن حملة اعتقال ضد حُرَّاس الأقصى"، تختلِسُ النظر لباقي الخبر علّك تدرك مجريات ما يحدث: "اعتدت قوات الاحتلال الخاصة أمس، على حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، بالضرب المبرح، وقاموا باعتقال ثلاثة منهم". ثم تُكمِل في خبرٍ آخر: "توترٌ وقع بعد أن حاول أحد موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية أخذ أحد أحجار المسجد"، ثم تصيبكَ حالةٌ من الهلع حدَّ البكاء والصدمة عندما تصل إلى خبر يقول: "أطلق «طلاب من أجل الهيكل» حملة إعلامية عن مبادرة جديدة لتنظيم احتفالات «البلوغ اليهودي- الاحتفال بالفتاة والفتى عند بلوغهم ( جيل 13-14)» في المسجد الأقصى، بدلاً من إقامتها في ساحة حائط البراق. ويشمل الاحتفال مراسيم تلمودية وأدعية توراتية خاصة عند الدخول الى الأقصى، عند باب المغاربة، النفخ في البوق، و تصوير كامل للاحتفال". تغيب بعدها عنكَ الكلمات.
لا تتوانى عن أي معلومةٍ تقدمها، لا تكفّ الأمل، لا تدع كثرةَ الأحداث تخدّرك، لا تسمح لكثرة المتخاذلين أن يقيّدوك. في القدس ميزانُ الأمة، ولكَ في هذا الميزان مكان، فلا تُبخِسه.
وأنتَ تكملُ يومك العاديّ، وأنت تذهب في تفاصيل حياتك الطبيعية، أتراك تدرك أنّ الأقصى ليس بخيرٍ؟ هل ندركُ حقيقةً أنّنا لم نكن أوفياء بحقِّ كل الشعارات التي أطلقناها، وكل الكلمات التي تغنينا بها حول رباطنا وانتمائنا وعيوننا التي ترحل وأرواحنا التي لن تقبلَ التقسيم وغيرها؟ لم نكن أوفياء أبداً. ونحنُ نسيرُ في طرقات مدننا، ونحنُ نمارِسُ أفراحنا وعاداتنا، أندركُ أنّ فلسطين ليست بخيرٍ أبداً؟
في القدسِ آثارٌ تًسلَب، أطفالٌ تُعدُّ لأجلِ الهيكل، أقصى يُهدَّد، مقدسيون يُعادَونَ بكلِّ ألوان العداء، في القدس تقسيماتٌ مكانية وزمانية، في القدس اعتقالات حقيقية وإدارية، في القدس مبعدون وممنوعون، في القدس استفزازاتٌ وشتائم، في القدس آيةُ من آيات كتاب الله نتأقلم على أن ننساها، في القدس عقيدةٌ نحاول البحث عن مخرجٍ يبرِّرُ ضعف إيماننا بها، في القدس مرآةٌ تعكس صورةَ أمةٍ تباعدت عن النصر جيلاً بعد جيل.
إذا خذلتنا مناهجنا يوماً فحذفت تفاصيل القضية الفلسطينية منها فواجبنا ألّا نكمل نحن تخاذلنا وألّا نقبل لأجيالنا ألّا تعرف تفاصيل قضيتنا. واجبنا أن ننقل لهذه الأجيال تفاصيل الأقصى، تفاصيل فلسطين، نأتيهم بصورها والمجسمات، نخبرهم عن أسماء زواياها، عن كلِّ المدن المنسية، عن كلِّ الشهداء، عن الأسرى. واجبنا أن نُسرِجَ معارِفنا ومعارِفهم، أن تكونَ فلسطينُ حاضرةً في كلِّ الأيام. أن يقفَ الخريج ليستلم شهادتهُ وفي قلبِه نيةُ الإعداد الفكريّ والثقافي. أن يكمِلَ الشاب مشروعه وفعاليته وفي قلبه نيةُ النهضة والتغيير.
لا يحتاج الأقصى بكاءً – وإن كانَت أخبارهُ تثير دمع القلب قبل العين –، ولا تريدُ القدس قصائد ومقالات – وإن كنّا حتى بهذه مقصرين –، ولا تريدُ فلسطين وقوفاً على الأطلال – وإن كان في ذلكَ شيءٌ من حبٍ وحنين –، ولن تحلَّ قضيتنا بعصىً سحرية، ولا بجيلٍ يأتينا من عالمٍ آخر، ولا بمعجزةٍ تخرجنا من تيه الأخبار هذا، إلّا أن قضايانا تحلُّ بنا، قضايانا تحلُّ عندما تبقى حاضرةً معنا كلَّ نهارٍ ومساء، حاضرةً في مجالس علمنا، في فعالياتنا، في أفراحنا، في علاقاتنا، في مبادراتنا، في قراءاتنا، في مؤسساتنا، في شركاتنا، في أعمالنا، في إعلامنا، في كل أحداثنا. علّنا لا نذكرها لكن أن تبقى حاضرةً في أهدافِنا وفكرنا وعقلنا، نريدُ أن نكونَ جيلاً متعلّماً قوياً، نريد أن نربّي جيلاً أميناً مؤثراً.
بالأمس اعتُديَ على حُرّاس الأقصى، والأخبار تتناقل أنّ وزراء الاحتلال سيدخلون الأقصى بعد رمضان، والتشديدات لا تنتهي كلَّ يومٍ على كلِّ مَن يحمل الهمّ. كل الأشياء تدلُّ على أنَّ الأقصى ليس بخيرٍ فلا تطمئن؛ لا تصرف نظركَ عن هذا الثغر، لا تستهِن بأي عملٍ تقدمه، لا تتوانى عن أي معلومةٍ تقدمها، لا تكفّ الأمل، لا تدع كثرةَ الأحداث تخدّرك، لا تسمح لكثرة المتخاذلين أن يقيّدوك. في القدس ميزانُ الأمة، ولكَ في هذا الميزان مكان، فلا تُبخِسه.
المصدر
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
تغيبُ الأخبار عن القدس، ما عادت أخبار الأقصى تتصدّر النشرات، نظنُّ أن الأمور تمرُّ بخير، ويبدو الأمرُ وكأنَّ لا مستجدات هناك؛ إذن الأقصى بخيرٍ فلنطمئن. ثم تفاجئك أخبارٌ في زاوية ما، عاجلٌ قد تمرَّ عليه مرور الكرام والسلام: "الاحتلال يشن حملة اعتقال ضد حُرَّاس الأقصى"، تختلِسُ النظر لباقي الخبر علّك تدرك مجريات ما يحدث: "اعتدت قوات الاحتلال الخاصة أمس، على حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، بالضرب المبرح، وقاموا باعتقال ثلاثة منهم". ثم تُكمِل في خبرٍ آخر: "توترٌ وقع بعد أن حاول أحد موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية أخذ أحد أحجار المسجد"، ثم تصيبكَ حالةٌ من الهلع حدَّ البكاء والصدمة عندما تصل إلى خبر يقول: "أطلق «طلاب من أجل الهيكل» حملة إعلامية عن مبادرة جديدة لتنظيم احتفالات «البلوغ اليهودي- الاحتفال بالفتاة والفتى عند بلوغهم ( جيل 13-14)» في المسجد الأقصى، بدلاً من إقامتها في ساحة حائط البراق. ويشمل الاحتفال مراسيم تلمودية وأدعية توراتية خاصة عند الدخول الى الأقصى، عند باب المغاربة، النفخ في البوق، و تصوير كامل للاحتفال". تغيب بعدها عنكَ الكلمات.
لا تتوانى عن أي معلومةٍ تقدمها، لا تكفّ الأمل، لا تدع كثرةَ الأحداث تخدّرك، لا تسمح لكثرة المتخاذلين أن يقيّدوك. في القدس ميزانُ الأمة، ولكَ في هذا الميزان مكان، فلا تُبخِسه.
وأنتَ تكملُ يومك العاديّ، وأنت تذهب في تفاصيل حياتك الطبيعية، أتراك تدرك أنّ الأقصى ليس بخيرٍ؟ هل ندركُ حقيقةً أنّنا لم نكن أوفياء بحقِّ كل الشعارات التي أطلقناها، وكل الكلمات التي تغنينا بها حول رباطنا وانتمائنا وعيوننا التي ترحل وأرواحنا التي لن تقبلَ التقسيم وغيرها؟ لم نكن أوفياء أبداً. ونحنُ نسيرُ في طرقات مدننا، ونحنُ نمارِسُ أفراحنا وعاداتنا، أندركُ أنّ فلسطين ليست بخيرٍ أبداً؟
في القدسِ آثارٌ تًسلَب، أطفالٌ تُعدُّ لأجلِ الهيكل، أقصى يُهدَّد، مقدسيون يُعادَونَ بكلِّ ألوان العداء، في القدس تقسيماتٌ مكانية وزمانية، في القدس اعتقالات حقيقية وإدارية، في القدس مبعدون وممنوعون، في القدس استفزازاتٌ وشتائم، في القدس آيةُ من آيات كتاب الله نتأقلم على أن ننساها، في القدس عقيدةٌ نحاول البحث عن مخرجٍ يبرِّرُ ضعف إيماننا بها، في القدس مرآةٌ تعكس صورةَ أمةٍ تباعدت عن النصر جيلاً بعد جيل.
إذا خذلتنا مناهجنا يوماً فحذفت تفاصيل القضية الفلسطينية منها فواجبنا ألّا نكمل نحن تخاذلنا وألّا نقبل لأجيالنا ألّا تعرف تفاصيل قضيتنا. واجبنا أن ننقل لهذه الأجيال تفاصيل الأقصى، تفاصيل فلسطين، نأتيهم بصورها والمجسمات، نخبرهم عن أسماء زواياها، عن كلِّ المدن المنسية، عن كلِّ الشهداء، عن الأسرى. واجبنا أن نُسرِجَ معارِفنا ومعارِفهم، أن تكونَ فلسطينُ حاضرةً في كلِّ الأيام. أن يقفَ الخريج ليستلم شهادتهُ وفي قلبِه نيةُ الإعداد الفكريّ والثقافي. أن يكمِلَ الشاب مشروعه وفعاليته وفي قلبه نيةُ النهضة والتغيير.
لا يحتاج الأقصى بكاءً – وإن كانَت أخبارهُ تثير دمع القلب قبل العين –، ولا تريدُ القدس قصائد ومقالات – وإن كنّا حتى بهذه مقصرين –، ولا تريدُ فلسطين وقوفاً على الأطلال – وإن كان في ذلكَ شيءٌ من حبٍ وحنين –، ولن تحلَّ قضيتنا بعصىً سحرية، ولا بجيلٍ يأتينا من عالمٍ آخر، ولا بمعجزةٍ تخرجنا من تيه الأخبار هذا، إلّا أن قضايانا تحلُّ بنا، قضايانا تحلُّ عندما تبقى حاضرةً معنا كلَّ نهارٍ ومساء، حاضرةً في مجالس علمنا، في فعالياتنا، في أفراحنا، في علاقاتنا، في مبادراتنا، في قراءاتنا، في مؤسساتنا، في شركاتنا، في أعمالنا، في إعلامنا، في كل أحداثنا. علّنا لا نذكرها لكن أن تبقى حاضرةً في أهدافِنا وفكرنا وعقلنا، نريدُ أن نكونَ جيلاً متعلّماً قوياً، نريد أن نربّي جيلاً أميناً مؤثراً.
بالأمس اعتُديَ على حُرّاس الأقصى، والأخبار تتناقل أنّ وزراء الاحتلال سيدخلون الأقصى بعد رمضان، والتشديدات لا تنتهي كلَّ يومٍ على كلِّ مَن يحمل الهمّ. كل الأشياء تدلُّ على أنَّ الأقصى ليس بخيرٍ فلا تطمئن؛ لا تصرف نظركَ عن هذا الثغر، لا تستهِن بأي عملٍ تقدمه، لا تتوانى عن أي معلومةٍ تقدمها، لا تكفّ الأمل، لا تدع كثرةَ الأحداث تخدّرك، لا تسمح لكثرة المتخاذلين أن يقيّدوك. في القدس ميزانُ الأمة، ولكَ في هذا الميزان مكان، فلا تُبخِسه.
المصدر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0تعليقات