معنى السراج المنير المقتبس لمدونة السراج المنير



السراج المنير

لفظ السِّراج معناه: الشَّيء المضيء المنير، وهو إمَّا أن يكون محسوسًا؛ كالشمس والقمر، والكواكب والمصابيح على اختلاف أنواعها؛ حيث تنير للنَّاس مواقع أقدامهم ومرامِي أبصارهم، بما يَعود عليهم بالنَّفع كي تظلَّ حياتهم مستقرَّة.

وإمَّا أن يكون السِّراج معنويًّا في الأذهان والأفهام؛ وهو الجانب الأهمُّ، والكفَّة الرَّاجحة في الموضوع، مثل: الرسل في أقوامهم، والكتبِ المنزلَةِ عليهم، والعلماء في القرى والأمصار... إلخ.

فمثلًا حين يُرسل الله للناس رسولًا، أو ينزل كتابًا يبيِّن ما في عبادة الأَصنام من خطرِ الشِّرك، وما في المسكرات من ضرَرٍ للبدن وإثمٍ كبير وذهابٍ للعقول، وما في الرِّبا من الانتهازيَّة المفضية إلى تأزُّم العلاقات بين المجتمع، إلى غير ذلك من النتائج السَّخيفة... فتكون الرسل والكتب قد أنارَت للنَّاس السبلَ التي هيَّأَت لهم الحياة الكريمة فيما بينهم؛ فيُعبد الله وحده بما شرَع، وتوجَّه الهِمَم إلى ما فيه المصلحة، فلا فساد ولا إفساد، وبذلك يَخرج الناس من الظُّلمات إلى النور.

والذي كان سببًا في هذا التحول العظيم هم الرُّسل برسالاتهم؛ فمَثلهم كمثل السِّراج الحسِّي الذي أنار للنَّاس فبيَّن لهم مواقعَ أقدامهم ومرامي أبصارهم.

وهذا هو المعنى المفهوم من قول الحقِّ تبارك وتعالى في لَفت الرَّسول الكريم محمد عليه السلام: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، وحقًّا هو عليه الصلاة والسلام سراج مُنير؛ ألَم يكن سببًا في إخراج النَّاس من ظلمات الشِّرك إلى نور التَّوحيد؟ ومن الجهالة الجهلاء إلى العِلم المنيرِ؟ ومن الضَّلال إلى الهدى؟ ومن الظُّلمِ إلى العدل؟ ومن متاهات الشُّرور إلى استقرار الخير والبرِّ؟

ولقد عبَّر الله سبحانه عن القرآن الكريم وعن الإسلام بأنَّهما يمثِّلان النورَ الواضِحَ الذي أخرج الناسَ من الظلمات إلى النور، فقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، ويقول أيضًا: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]، ويقول: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].

ويوضِّح جلَّ شأنه أنَّ الإسلام نور البصائر وضياء العقول، فيقول سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، كما أَطلق القرآن الكريم على الغواية أنَّها الموت والظَّلام، وعلى الهدى والإيمان أنَّه الحياة والنور، فقال جلَّ جلاله: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].

وفي الجملة حين يتولَّى الله قومًا فلا بدَّ أن تصبح هذه الولاية بمثابَة النُّور الذي يَهديهم السبيل الأَقوَم، على عكس الأنداد والشُّركاء حين يَعكف الناس عليهم؛ فالسَّبيل أمامهم مظلِم أبدًا، ولهذا يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة: 257].

فهل ترون يا قوم أنَّ المصحف أو المسلم الحق حين يكونان في مكانٍ ما أيَستغني الجالسون عن مَصابيح الإضاءة في التَّدوين أو الرُّؤية باعتبار أيٍّ منهما نورًا حسيًّا؟ أم أنَّ النور هنا هو نور الهداية؟

وهذا هو الذي يَنبغي أن يكون عليه الإنسان في فهم الوَصف الذي خلع على رسولنا الحبيبِ محمد صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى: ﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ بمقتضى الرِّسالة التي أُرسل بها للنَّاس كافَّة؛ إذ لو لم يكن رسولًا لما وُصف بأنَّه سراج.

أمَّا أن يقال في مجتمعاتٍ صاخبة - وللأسف في ندوات دينيَّة -: إنَّ الرسول سراجٌ منير، أضوَأ من الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؛ لدرجة أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يَستطيعوا النظرَ في وجهه من شدَّة الضوء والبريق واللَّمعان!

وأقول: إنَّ القائل بهذا غرب عنه الفهمُ السَّليم، وكان الأولى به أن يركِّز على الثابت في الصحاحِ، ولا داعي لِملءِ أذهان سامعيه بما لا طائل تحته دون شرحٍ وبيان للمعنى المراد؛ حقًّا إنَّ ذلك خَلْط من باب اللعبِ بعواطف النَّاس، ودلالة على العقل الجرز والوفاض الخالي إلَّا من هوًى يزكم الأنفَ ومدحٍ يستحقُّ قائله أن يُحثى في وجهه التراب.

ولكن تعالوا أيها العقلاء الكِرام نناقِش تعبيرَ هؤلاء الأدعياء الذين عَجزوا عن فهم اللبِّ فاستمسكوا بالقشور حتى نَخرج بعلمٍ سليمٍ وفهم مستقيم.

ولو كان الرسول في وَصفه بالسِّراج المنير سراجًا ملموسًا يدرَك بالرؤية كالمصابيح - كما يزعم أصحاب البضاعة المزجاة - لكان خطرًا على نفسِه هو وعلى الرِّسالة أيضًا، وإلَّا فأخبرونا أين ذهب النورُ وهذا الضوء عند وجوده في غار ثورٍ أيامًا وليالي أثناء الهجرة من مكَّة إلى المدينة، والقوم أعداؤه يَجتهدون في البحث عنه حتى وَقفوا على فَتحة الغار في مكانٍ لو نظرَ أحدهم تحت قدمه لرآه عليه السلام مع صاحبه وأحبِّ الرِّجال إليه؟ لولا معيَّةُ الله لهما بالتأييد والسَّكينة.

ثمَّ لماذا لم تَعرفه أمُّ معبد حين طلب منها السقيا وسط صحراء مجدبة؟

وناهيك بأهل المدينة من الأنصار حين وفد ركبُ الهجرة عليهم بين رجز القوم وفَرحهم؛ حيث كان يُشير مَن لم يشرف بمعرفته قبلًا مستفسرًا: أين الرسول؟ أفي الأمام هو أم في المؤخِّرة، أهو هذا أم ذلك؟

ولقد كانت الوفودُ لا يَعرفونه من بين الجالسين، حتى قال الصحابةُ مستأذنين: يا رسولَ الله، ألا نَجعل لك مجلسًا مرتفعًا تَجلس عليه حين تكلِّمنا كي يَعرفك الغريب؟ وفعلًا صنعوا له منبرًا من الطِّين واللَّبِن.

فأين يا قوم ذهب الضوءُ والبريق؟!

ثمَّ كيف استطاع الواصفون أن يَقفوا على ملامح وجهِه الشَّريف وشرايين عُنقه عند غضبه لله، وعند خطبته الأعيادَ والجُمَع؛ حيث كانت تحمرُّ عيناه ويَعلو صوته وتَنتفخ أوداجه، ويقول: صبَّحكم ومساكم؟

بل وكيف كانت تتمُّ المناظرة بينه وبين مناوئيه، وبينه والوفود؟

ثمَّ أين ذهب هذا الضوء والبريق واللمعان ليلة أن افتقدَته عائشة زوجُه رضي الله عنها وفي ليلتها، فقامَت باحثةً عنه حتى وقعَت يدها عليه وهو ساجد، وأطال السجود حتى أشفقَت عليه خشية الموت، إلى أن سمعَته يقول - وما أجمل قوله عليه السلام -: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ برضاك من سَخطك، وبمعافاتك من عقوبتِك، وأعوذ بك منكَ، لا أُحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نفسك)).

ولعلَّ هذه الحادثة تَنفي فِرية المبتدعين، وما افتعلَه الهدَّامون من أنَّ عائشة عليها من الله الرِّضوان فقدَت مخيطها ليلًا، فحاولَت العثورَ عليه فلم توفَّق، وظلَّت هكذا حتى دخل الرسول عليه السلام فأنار وجهُه ظلامَ البيت، فوجدَت إبرَتها، ثمَّ هم في الوقت نفسه يَعتقدون أن تبادل المخيط ليلًا مع الحاجة إليه يجلب المشاكسةَ في البيوت ويولد الشؤم في المساكن بين أهله أو الجار.

يا عجبًا، إنَّه إيهام العامَّة، وحبٌّ رخيص فعلًا، وتجارة كاسِدة ممَّن قلَّ علمهم وذلَّ عقلهم.

وإلى لقاء، والله المستعان



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/spotlight/0/100879/#ixzz4pjCFrl7f

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::