نظريات التحفيز وأنواعها


شغل موضوع تحفيز الأفراد وأثره على أداء العمال الكثير من الباحثين منذ بدأ العمل المنتظم في الحياة الاقتصادية ، حيث كان أهم الجهود في هذا المجال خلال العقود الماضية مبنية على نظريات علم النفس في الغرائز والدوافع ، من خلال تلك الفترة تطورت مجالات البحث وتعددت النظريات التي تحاول التفسير أسباب حفز الأفراد ، ففي منتصف القرن التاسع عشر بدأت الأفكار عن الترغيب الإنسان في العمل وحثه على الارتفاع بمستوى أدائه ، وفي بداية القرن العشرين بدأت تتبلور بشكل الأفكار بصورة أكثر تحديد أو وضوح في صورة نظريات للحوافز.






ومما لاشك فيه أن هذه النظريات قد أرست مبادئ هامة وأساليب وأفكار ارتكزت على تأملات فكرية راسخة وفروض علمية ، ونتائج قد نجحت حينها ووضعت في مجال التجربة، ونظرا لأهمية النظريات وفائدتها الدراسية سنتقدم باستعراض أهم النظريات على النحو التالي:


أولا:النظرية الكلاسيكية:

نبعت هذه النظرية أساسا في التطور الطبيعي لمبادئ الإدارة العامة التي نادى بها " فديريك تايلور" الذي يعتبر مؤسسة هذه النظرية وترتكز هذه النظرية أساسا على أن النقود هي خير دافع للعمل في المنظمات و أن العامل بطبيعته يسعى دائما لزيادة أجره لهذا الاتجاه فإنه يجب ربط الأجر بإنتاجية العمل بمعنى أنه كلما زاد الإنسان في إنتاجيته زاد أجره. (1)

وقد بنى "فريدريك تايلور" نظريته في الإدارة العلمية للأفراد على فرضين أساسيين هما :

1.     أن تطبيق الأساليب العلمية في العمل يؤدي إلى الكثافة في الإنتاج.

2.     إن تطبيق الحوافز النقدية يؤدي إلى زيادة الإنتاج بمجهود وزمن معقولين وإن الحوافز المادية هي الأساس لحفر الأفراد وزيادة الإنتاج.(2)

ولقد أثبت تايلور أنه يمكن زيادة الحافز على الإنتاج والتحكم فيه من خلال نظام الأجور، فكل زيادة في الأجر يصاحبها زيادة في الإنتاجية، وكل إنتاجية أعلى يصاحبها أو يقابلها أجر أعلى وهكذا، ولا تمنح الحوافز المادية إلا للفرد الممتاز الذي يحقق المستويات المحددة للإنتاج أو يزيد عليها، أما الفرد المنخفض الأداء الذي لا يصل إنتاجه إلى المستوى فعلى الإدارة تدريبه أو نقله أو فصله، وأثناء دراسته قام بدراسة دقيقة للعمل الصناعي في كل مرحلة من مراحله، ذلك بتحليل العمل إلى حركاته وعملياته الأولية، ثم استبعاد الحركات الزائدة والغير ضرورية ثم تقدير الزمن الذي يلزم لكل حركة من الحركات الضرورية تقديرا دقيقا بواسطة الكرونو متر، ثم التأليف بين الحركات الأولية الضرورية في مجموعات تكون أفضل طريقة وأسرعها في أداء العمل وتكون هذه الطريقة المثلى الوحيدة التي يجب أن يتبعها العامل في عمله وقد عرفت دراسته هذه باسم "دراسة الحركة والزمن"(1).


تسمى هذه النظرية بالنظرية الكلاسيكية لكونها اعتبرت الإنسان يعمل فقط لأسباب اقتصادية وككائن اقتصادي يسعى لتعظيم المنفعة ومن أهم جوانب الخلل في النظرية هي أن الإنسان المعاصر لا يعمل من أجل الدخل على الرغم من أهميته وأنه لا يستجيب دائما لمبلغه وحتى بالنسبة للحافز الاقتصادي فهو لا يستجيب له كما هو بل غالبا ما يستخدم عقله في الحكم عليه وقد يقوم بفعل غير ما تريد الإدارة. ولكن رغم كل هذه الدراسة لم يمنع من أن توجه للنظرية عدة انتقادات منها:


- لقد حدد تايلور الأداء النمطي على أساس أكفأ عامل وفرض على باقي العمال بأن يصلوا إليه على ما بينهم من فروق في القدرة والقوة ودرجة الاحتمال و إلا  كان مصيرهم الطرد في حين أنه كان من المفروض أن يقاس هذا الأداء النمطي على أساس العامل المتوسط وبذلك يكون تايلور قد استخدم في سبيل وصوله إلى الأداء النمطي الضغط والرقابة الصارمة مما خلق جوا من التناقض بين العمال وهذا ما أدى إلى توتر علاقات العمل(2).



- لم تهتم النظرية الكلاسيكية بالمتغيرات النفسية الاجتماعية وتأثيرها على سلوك العمال ومعاملتهم كالآلات بحيث على الفرد تنفيذ وتمثيل ما يطلب منه من عمل مهما كان غير عادل أو كانت شروطه غبر مناسبة.

- تجاهل تايلور وجود الحوافز المعنوية وأثرها في زيادة جهد العاملين وبالتالي الارتفاع بمعدلات الأداء وتحقيق رضاهم عن العمل واعتبر أن الحافز الوحيد هو الأجر ما دام العامل مخلوق اقتصادي تنحصر حاجاته في الأشياء المادية كما اتخذ قادة الإدارة العلمية متجها نحو زيادة الإنتاج مما أوجد مشاكل سيكولوجية فتحت المجال إلى دراسات أخرى.


ثانيا: نظريات الحاجات الإنسانية :

يعتبر مؤسس النظرية هو " أبراهام ماسو " وهي من أكثر النظريات شيوعا وقدرة على تفسير السلوك الإنساني في سعيه لإشباع حاجات المختلفة وتركز هذه النظرية على ضرورة التعامل مع الحاجات والدوافع المختلفة الكامنة في ذات الفرد حيث أن التعرف الدقيق لهذه الاحتياجات والدوافع هو الذي يمكن للإدارة وأصحاب القرار من وضع وتطبيق نظم الحفز لدى المؤسسة أو المنظمة.


وتقوم النظرية على مبدأين أساسيين هما:

1.  أن الحاجات الفرد مرتبة ترتيبا تصاعديا على شكل سلم بحسب أولياتها للفرد وفقا لهرم "ماسو" كما في الشكل الموضح أدناه

2.  إن الحاجات غير المشبعة هي التي تؤثر على سلوك الفرد وبالتالي ينتهي دورها في عملية الحفز.

ويلاحظ أن "ماسو" رتب الحاجات إنسانية على شكل هرم تمثل قاعدته الحاجات الفيزيولوجية الأساسية وتتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى تصل إلى قمة الهرم حيث حاجات تحقيق الذات ،فالحاجات الفيزيولوجية هي عبارة عن الحاجات الأساسية لبقاء حياة إذ تتوقف نشاطاته وحيويته عليها كما تعتبر نقطة البداية في الوصول إلى إشباع الحاجات الأخرى ، والحاجات الفيزيولوجية مثل (الطعام والشراب والنوم ..) فان العمل الذي يخدم تحقيق هذه الحاجات إلى قدر معين سيكون موضوع قبول ورضا بالنسبة للعاملين أما الحاجة إلى الأمن الذي يعمل فيه سوى من ناحية تأمين الدخل المستمر الذي يحصل عليه لتأمين حياة معيشة ملائمة له ولأسرته أو في حمايته من الأخطار التي يمكن أن تحدث له نتيجة للعمل الذي يزاوله فإن عدم تحقيق هذه الحاجة سيخلق نوعا من الاضطراب النفسي للعامل مما ينعكس سلبا على العمل الذي يقوم به، أما الحاجات الإجتماعية فهي تظهر من طبيعة التكوين البشري فالإنسان مخلوق اجتماعي يرغب في أن يكون محبوبا ويحظى بالتقدير من الآخرين وذلك عن طريق انتمائه للآخرين وتحقيق نوع من التعايش القائم على المحبة والألفة.



ولقد أوضحت الكثير من الدراسات أن جو العمل الذي لا يشبع الحاجات الإجتماعية يؤدي إلى اختلال التوازن النفسي لدى العامل وبالتالي يؤدي إلى مشكلات من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات الغياب ونقص الإنتاجية وترك العمل ،أما حاجات التقدير فالإنسان بعد تحقيق لحاجاته الاجتماعية يبحث عن الحاجة إلى التقدير والتي تشمل على الشعور بالثقة والجدارة وأنه جزء مفيد في المجتمع الذي يعيش فيه بالإضافة إلى الحصول على التقدير والاحترام من الآخرين وإحساسه بمكانته وهيبته، ويساعد على تحقيق الذات فهي تعني الحاجة إلى تحقيق الطموحات العليا للفرد في أن يكون الإنسان ما يريد أن يصل إليه وهي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى درجة مميزة عن غيره ويصبح له كيان مستقل علما بان الحاجة إلى الاستقرار من أهم مكونات الحاجة إلى تحقيق الذات ،وعلى الإدارة أن تحقق بتعويض السلطات والصلاحيات ولإتاحة الفرصة في المشاركة في وضع وتحديد الأهداف.



ثالثا: نظرية الحاجة للإنجاز:

تعد هذه النظرية الحديثة نسبيا وتكز على الحاجة للإنجاز ولذا نسميها "بنظرية الحاجة للإنجازNeed For Achevement Thesy    " وتحتل النظرية مكانة خاصة لدافعية العمل لأنها تتناول الخصائص الشخصية لبعض الأفراد التي تجعلهم ذاتيا وكأنما يندفعون طبيعيا للأداء ويتصرفون كما لو كانوا هم يملكون مصادر ذاتية لتحفيز أنفسهم فهناك أدلة كثيرة تبين بأن الأفراد يختلفون في مدى امتلاكهم لدوافع ذاتية للإنجاز والداء العالي المتميز والنجاح في تحقيق الهداف التي يلتزمون بتحقيقها والتي غالبا ما تكون أهداف عالية المستوى وتبين الدراسات بأن أمثال هؤلاء (الأشخاص الذين يملكون دافع قوي للإنجاز) يندفعون ذاتيا لأداء الأعمال المطلوبة منهم، وكذلك التقدم في مجال عملهم، علما بأن مثل هؤلاء هم ضروريين لإشغال المواقع المهمة، خاصة الإدارية، إذ تضمن المنظمة بأنهم يحفزون أنفسهم ولا يحتاجون تحفيز من طرف خارجي وهذه سمة مهمة في القائد الإداري.


وترى هذه النظرية أن الفرد لديه أربع حاجات رئيسية وهي:

·    الحاجة إلى القوة:

والذين لديهم هذه الحاجة نجدهم يبحثون عن فرص كسب المركز والسلطة وهم يندفعون وراء المهام التي توفر لهم فرص كسب القوة.

·   الحاجة إلى الإنجاز:

والذين ليدهم هذه الحاجة نجدهم يبحثون عن فرص حل مشكلات التحدي والتفوق.

·        الحاجة إلى الإنتماء:

والذين لديهم هذه الحاجة نجدهم يجدون في المنطقة فرصة لتكوين علاقات صداقة جديدة وهؤلاء يندفعون وراء المهام التي تتطلب التفاعل المتكرر مع زملاء العمل.

·    الحاجة إلى الإستقرار:

الأفراد الذين لديهم هذه الحاجة يعطون قيمة وأهمية كبيرة للحرية والاستقلالية في العمل والسيطرة والتحكم بمصيرهم الشخصي وبالتالي هم يفضلون أن يعملوا في وظائف تحقق لهم ذلك.


رابعا: نظرية التوقع أو التفضيل لـ فيكتور فروم :

مؤسس هذه النظرية هو "فيكتور فروم" وتركز نظريته على عامل التوقع كأساس في حاجات ودوافع الإنسان بالإضافة إلى العوامل الداخلية والخارجية كمحرك للسلوك الإنساني لذا فإن عنصر الترقب والتوقع الذي تقوم عليه هذه النظرية يعتبر عاملا قويا في دفع الإنسان إلى اتخاذ سلوك معين أو الامتناع عنه فإذا توقع الإنسان أنه سيحصل على إشباع معين خلال فترة مستقبلية فإنه سيظل يعمل حتى يحقق هذه الرغبة أما إذا لم يتوقع الإشباع المطلوب من هذا السلوك لظروف معينة فإن ذلك قد يؤدي به إلى إلغاء السلوك والتوقف عنه.

هذه النظرية هي الأخرى تهتم بعمليات عقلية تتم قبل استجابة الفرد لحافز يتعرض له، صاحب النظرية هو الأستاذ "فيكتور فروم" وهي تحاول التنبؤ عن قوة اندفاع الفرد في وقت معين وكذلك اختلافها من فرد لآخر وهي ترى بأن قوة الاندفاع تحصل نتيجة ما يحدث في العقل ويؤثر في السلوك الذي يصدر عن الفرد، أي أنها تحاول أو تفسر لماذا مثلا يندفع طالب ما للدراسة والحصول على علامة جيدة في مادة ما في حين يهمل ذلك في مادة أخرى وهو يعرف وجود احتمال أن يرسب فيها(2).



وبناء على ذلك يضع "فروم" عدة تفسيرات لسلوك الأفراد في ميدان العمل منها:

أ- يرتكز سلوك الفرد على المنفعة الشخصية.

ب- اختيار الفرد لنشاط معين يعد واحدا من بدائل الأنشطة منهم

ج- يرتكز الاختيار على اعتقاد الفرد أن النشاط المختار هو الطريق المحتمل لتحقيق أهدافه.

د- تلعب التوقعات دورها في اتخاذ الفرد لقراره.

ومن مميزات هذه النظرية أن سلوك الفرد لا يتحدد بحافز واحد بل بالعديد من الحوافز في نفس الوقت يختار منها أي الحوافز أكثر إشباعا لحاجاته كما أوضحت نظرية "فروم" الفارق بين قيمة الحافز واحتمال تحقيقه ويؤخذ على هذه النظرية بأنها لا تعطي نمطا عاما لسلوك الأفراد اتجاه أعمالهم بما يمثل صعوبة في تطبيق هذه النظرية عمليا(1).





المراجع

(1) الحارثي فيصل درهوم عايض: رفع كفاءة العاملين وعلاقتها بالحوافز المادية والمعنوية رسالة ماجستير،الرياض 1999م،ص22.

(2)  د/ كامل بربر: إدارة الموارد البشرية وكفاءة الأداء التنظيمي، مرجع سابق، ص:103.

(1)  صلاح الشنواني: إدارة الأفراد والعلاقات الإنسانية، مدخل الأهداف، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر 1987، ص 490-491.

(2)  ديب نورة: التحفيز بوحدة نوميديا، مرجع سابق، ص15.

(1)  محمد رفيق الطيب: مدخل للتسيير أساسيات، وظائف وتقنيات، الجزء2، مرجع سابق، ص183.

(2)  سعاد نائف البرنوطي: الإدارة أساسيات فصل الدوافع والتحفيز، مرجع سابق، ص422.

(1)  ديب نورة: التحفيز بوحدة نوميديا، مرجع سابق، ص30-31.







لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
::: يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها :::