تطبيق مبادئ الحوكمة في المؤسسات العمومية والخاصة

مقدمة

تعد الحوكمة من أهم المفاهيم الإدارية الحديثة التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة وتحسين أداء المؤسسات. وقد أصبحت تطبيقاتها ضرورية في كل من المؤسسات العمومية والخاصة على حدّ سواء، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، وتزايد الحاجة إلى الثقة بين مختلف أصحاب المصلحة.

إن تطبيق مبادئ الحوكمة يساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة داخل المؤسسات.



أولاً: مفهوم الحوكمة

الحوكمة (Governance) هي مجموعة من القواعد والممارسات والعمليات التي يتم من خلالها توجيه المؤسسة والتحكم في أنشطتها، مع تحديد المسؤوليات بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية وأصحاب المصلحة.

تهدف الحوكمة إلى تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة وضمان الشفافية والمساءلة والمصداقية في إدارة المؤسسة.


ثانياً: مبادئ الحوكمة الأساسية

تقوم الحوكمة الرشيدة على مجموعة من المبادئ الأساسية التي أقرتها المنظمات الدولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ومن أهمها:


الشفافية:

تعني وضوح الإجراءات والقرارات، وتوفير المعلومات الدقيقة والحديثة للمساهمين والجمهور.

في المؤسسات العمومية، تترجم الشفافية بنشر تقارير الأداء المالي والإداري بانتظام.


المساءلة:

تعني خضوع جميع المسؤولين في المؤسسة للمحاسبة عند التقصير أو الخطأ، مما يعزز الثقة ويحد من الفساد.


العدالة والمساواة:

تضمن هذه القاعدة معاملة جميع الأطراف بطريقة عادلة دون تمييز، سواء كانوا موظفين أو مساهمين أو مستفيدين من خدمات المؤسسة.


المسؤولية:

تقتضي تحمل الإدارة ومجلس الإدارة المسؤولية عن نتائج القرارات والسياسات المعتمدة، وضمان توافقها مع القوانين والأنظمة.


الاستقلالية:

يجب أن يتمتع مجلس الإدارة بالاستقلالية في قراراته دون تدخلات خارجية، لضمان موضوعية التوجيه والرقابة.


ثالثاً: تطبيق الحوكمة في المؤسسات العمومية


تواجه المؤسسات العمومية تحديات خاصة عند تطبيق مبادئ الحوكمة، نظرًا لطبيعة ارتباطها بالسلطات العامة والمصالح المجتمعية.


المشرف صحراوي منير


من أبرز الجوانب التي تعتمدها المؤسسات العمومية لتحقيق الحوكمة:

  • إرساء الشفافية في إدارة المال العام من خلال نشر تقارير سنوية للميزانية والنتائج المالية.
  • مكافحة الفساد الإداري عبر وضع آليات للمراقبة الداخلية والخارجية.
  • تحسين جودة الخدمات العمومية عبر وضع معايير للأداء ومؤشرات للفعالية والكفاءة.
  • تفعيل دور الأجهزة الرقابية مثل هيئات التفتيش والمجالس العليا للمحاسبة لضمان حسن التسيير.
  • تسعى الحكومات الحديثة إلى إدماج مبادئ الحوكمة ضمن خطط الإصلاح الإداري، لتحديث القطاع العام وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.


رابعاً: تطبيق الحوكمة في المؤسسات الخاصة

أما في المؤسسات الخاصة، فتأخذ الحوكمة بعدًا استراتيجياً يهدف إلى تعزيز ثقة المستثمرين وضمان الاستمرارية والربحية.


وتتجلى تطبيقات الحوكمة في هذا القطاع من خلال:

  • وضع أنظمة داخلية للرقابة المالية والإدارية.
  • فصل الملكية عن الإدارة لضمان عدم تضارب المصالح.
  • نشر البيانات المالية بدقة وشفافية.
  • تفعيل دور لجان التدقيق والمراجعة.
  • تطبيق معايير المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات (CSR) لتقوية العلاقة مع المجتمع والبيئة.
  • إن التزام المؤسسات الخاصة بمبادئ الحوكمة ينعكس إيجابًا على سمعتها في الأسواق وعلى قدرتها في جذب الاستثمارات.


خامساً: التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة

  • على الرغم من أهمية الحوكمة، إلا أن تطبيقها يواجه عدة صعوبات في الواقع العملي، من أبرزها:
  • ضعف الثقافة المؤسسية المتعلقة بالحوكمة داخل بعض الإدارات.
  • غياب التشريعات الواضحة التي تنظم مبادئ الحوكمة في بعض الدول.
  • المقاومة الداخلية للتغيير من قبل بعض المسؤولين أو الموظفين.
  • نقص الكفاءات والخبرات المتخصصة في إدارة الحوكمة والتدقيق.


سادساً: آليات تعزيز الحوكمة


لتحقيق تطبيق فعّال للحوكمة في المؤسسات العمومية والخاصة، ينبغي اعتماد مجموعة من الآليات، منها:

  • تحديث الأطر القانونية والتنظيمية.
  • تكوين وتأهيل الموارد البشرية في مجال الحوكمة.
  • تطوير نظم المعلومات الإدارية لضمان الشفافية.
  • إشراك المجتمع المدني والإعلام في متابعة الأداء المؤسسي.
  • تشجيع ثقافة المساءلة والمبادرة داخل المؤسسات.


خاتمة

إن تطبيق مبادئ الحوكمة لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لضمان نجاح واستدامة المؤسسات.

فهي تمثل الإطار الذي يضمن سلامة القرارات، ويحافظ على مصالح الأطراف كافة، ويحد من الفساد، ويعزز الثقة بين الدولة والمجتمع.

وتبقى الحوكمة أداة استراتيجية لتحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والنزاهة الإدارية في كل من المؤسسات العمومية والخاصة.



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

0تعليقات

1 - تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك
2 - رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
3 - يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها
4 - لا تنس نشر المواضيع لكسب الأجر