تهذيب العين..

 العين هي نعمة إلهية كبرى على الإنسان إذ يبصر بها ما حوله من المخلوقات والأشياء فيستثمرها، وبها يقرأ الكتب ويرى الآخرين ويرى جمال الكون وعجائبه، مع كلّ هذا قد تكون وبالاً  على الإنسان في آخرته إذا لم يحسن استخدامها ضمن الحدود التي وضعها الله تعالى لها فعن أمير المؤمنين علي (ع): " كم من نظرة جلبت حسرة".
ارتباط العين بالقلب‏
إنّ كلَّ ما تمعن به العين النظر لا بد وأن تنطبع صورته في عقل الإنسان وقلبه، ويترك آثاراً في روحيته ونفسيته، حتى لو نسيه في فترات معينه، إلا أنّ آثاره الباطنية قد تبقى لتؤثر بشكل غير مباشر، أو لتتفعل في أوقات وظروف معينة، ولذا فإنّ هذا الأمر خطير على الإنسان، فالعين هي من أبواب حصن النفس، وفتح هذا الباب ليدخل منه كل صالح وطالح إلى النفس النظيفة سيتسبب بتلوثها، ولذا ورد عن الإمام  علي  (ع) : "العيون طلائع القلوب"، ويقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...} (النور/30-31).
النظر المحرَّم‏
وقد أكدت الكثير من الروايات الشريفة على خطورة هذا النظر على روح الإنسان المؤمن وقلبه، لدرجة أنها تفسد الإيمان وتنسي الآخرة والحساب، ففي الحديث عن الإمام علي (ع): "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة".
وعن الإمام الصادق (ع): "يا بن جندب! إنّ عيسى بن مريم (ع) قال لأصحابه: إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه".
عواقب النظر المحرم‏
إنّ جزاء النظر المحرم عند الله تعالى شديد جداً بحيث أنّ بعض الروايات عبرت عن صور عجيبة للذي يملأ عينيه من النظر الحرام ومن هذه العواقب:
1 - يملأ عينيه نار: ففي الرواية عن الرسول الأكرم (ص): "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب ويرجع".
2 - الحسرة يوم القيامة: فعن الإمام علي (ع): "كم من نظرة جلبت حسرة"، والله أعلم بمقدار هذه الحسرة والندامة التي ستعتري الإنسان يوم القيامة حين يرى النعيم ويمنع منه لأجل نظرة إلى حرام.
3 - الغضب الإلهي: فعن الرسول الأكرم (ص): "اشتد غضب الله عز وجل على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها".
آثار غض البصر
كما أنّ للنظر إلى الحرام عواقب قد ذكرنا بعضا منها فإنّ لغض البصر عن محارم الله تعالى آثاراً حميدة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الآثار:
1 - حلاوة العبادة: فإنّ‏ الشيطان يسعى جاهداً ليوقع الإنسان في المحرمات،  التي يسهل الوقوع بها تحت ضغط الشهوات، كالنظر المحرم، فعندما ينتصر الإنسان على شيطانه بعد جهاد النفس يجد حلاوة الانتصار من جهة ويزداد إيمانه رسوخاً وقلبه نوراً من جهة أخرى، كما يحصل للجيوش التي أنهكها التعب بعد انتصارها، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله  (ص): "ما من مسلم ينظر امرأة أول رمقة ثم يغض بصره إلا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه".
2 - راحة القلب:  ففي الحديث عن الإمام علي (ع): "من غض طرفه أراح قلبه"، ولعل راحة القلب تأتي بسبب التخلص من هذا المرض القاتل للحسنات والذي يجر صاحبه إلى النار.
3- الحصانة: وهي تحفظ الإنسان عن الوقوع في الذنوب ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغض البصر، فإنّ البصر لا يغض عن محارم الله إلا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال".
كيف تعالج آفة النظر
إنّ الذي يحفظ الإنسان ويمنعه من الوقوع في النظرة الحرام، ويعيده إلى الصواب إذا وقع  لا سمح الله  في الانحراف، هما أمران أساسيان:
1 - تقوى الله: إنّ الارتباط بالله تعالى وتقوى الله تعالى هو الأمر الأساسي في حفظ الإنسان وابتعاده عن المحرمات، وقد تم التأكيد على تقوى الله في موضوع النظر وأمراضه، وعن أمير المؤمنين (ع) حينما سُئل (ع): بما يستعان على غض البصر؟ فقال (ع): "بالخمود تحت سلطان المطلع على سرِّك"، فإن كنا عباداً لله تعالى فعلينا أن نقوم بواجبات العبودية من إطاعة أوامر الله تعالى والتجنب عما نهى عنه ومن ذلك غض البصر، وإن كنا عباداً لرغباتنا وشهواتنا ومتطلباتها "والعياذ بالله من أن نكون كذلك"  فلنا حينئذ ما نشاء فقد خرجنا من دائرة العبودية لله تعالى إلى عبودية الشيطان وجنوده! ويصدق حينئذٍ قول إبليس: { ..فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(ص/82-83).
2 - الحياء: فالحياء حاجز آخر يقف أمام انحراف الإنسان، وفي رواية عن رسول الله  (ص): "الحياء شعبة من الإيمان"، وعنه  (ص): "إذا لم تستح فافعل ما شئت".
خلاصة
العين التي تعتبر نعمة إلهية كبرى على الإنسان إذ يبصر بها ما حوله من المخلوقات والأشياء فيستثمرها، قد تكون وبالاً  عليه في آخرته إذا لم يحسن استخدامها ضمن الحدود التي وضعها الله تعالى لها فعن أمير المؤمنين علي (ع): "كم من نظرة جلبت حسرة".
لا بد من تأديب العين بتنزيهها عما يخالف الشريعة، وتأديباً بما يصلح لها في الآخرة ومن الأمور التي أكد الشرع الأقدس على تنزيه العين عنه، النظر المحرم بجميع أشكاله وصوره.
إنّ جزاء النظر المحرم عند الله تعالى شديد جداً وله عواقب وخيمة ومن هذه العواقب:
1 - أن يملأ الله عينيه ناراً.
2 - أن يغضب الله تعالى عليه.
3 - الحسرة يوم القيامة.
من آثار غض الطرف عن محارم الله تعالى:
1 - حلاوة العبادة.
2 - راحة القلب.
3 - الحصانة.
يمكن معالجة آفة النظر من خلال أمرين:
الأولى: تقوى الله تعالى.

الثانية: الحياء.
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم