مفهوم التعلم التنظيمي وخصائصه وأساليبه وخطواته ومعوقاته بحث مُلون
يعد التعلم التنظيمي من المفاهيم الإدارية الحديثة التي تركز على العلم والتعلم ونشر المعرفة، نتيجة للثورات العلمية والمعلوماتية والتقنية والبرمجية، والأخذ بالوسائل والنشاطات المؤدية إلى المعرفة، سواء أكانت بشرية أم تقنية، فلم تعد المعرفة ترفا فكرية، بل أصبحت أسلوبا عملية قائمة على المعرفة، يسهم بدرجة كبيرة بتحقيق الرفعة الشاملة، وتحقيق الرفاه الاجتماعي، في ظل عالم مفتوح باتت تقنية المعلومات والاتصالات فيه وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها لنقل المعرفة التي أصبحت الركن الأساس، والمعيار المهم في تحديد القدرة التنافسية.
وضمن هذا السياق، يبرز النظام التعليمي محركا لإحداث تغيير جذري وثورة حقيقية في نمط التفكير، ابتداء من العائلة والمدرسة وانتهاء بالمراكز البحثية والجامعات، بحيث تصبح المعرفة والوسائل التي تدعم تحصيلها والحفاظ عليها أساس النظام التعليمي.
وبالطبع فإن ذلك يتطلب برامج تعليمية تسهم في توفير مناخ تعليمي ملائم وقادر على إنتاج المعرفة، بدلا من استهلاكها ، كما هوشائع الآن في العديد من المؤسسات التعليمية، حيث تغرق الطالب بكم هائل من المعلومات بدلا من تنمية القدرات التفكيرية، وكأنها تسعى لقتل روح الإبداع والتفكير الذي يشكل الركن الأساس المهم في عملية إنتاج المعرفة.
وهنالك الكثير من الدلائل والمؤشرات التي تدل على أهمية العلم والمعرفة وضرورة التعلم لا مجال لذكرها، وفي العصر الحاضر يتواصل الاهتمام بالمعرفة بعد أن مهدت ثورة الاتصالات، وتقنية المعلومات الطريق، فقربت المسافات وألغت حدود الزمان والمكان، ويسرت السبل لنشر المعرفة، وتبادلها، وخزنها، ونقلها، وتجديدها، وجعلها في متناول طالبيها، وهم جلوس في منازلهم، الأمر الذي انعكس على مضاعفة المعرفة، وتراكمها، فالتعلم له أثر فاعل في اكتساب المعرفة التي تخدم المنظمات والمجتمعات وإنتاجها.
وعليه، فإن جوهر المعرفة هو تنمية القدرات الإنسانية، والأصول المعرفية الأخرى واستثمارها لبناء منظمات المعرفة. ومن أجل إنتاج المعرفة وصناعتها، فلا بد من معرفة كيف يفكر الإنسان وكيف يتعلم. وتبرز هنا أهمية النشاطات والأعمال التي تسهم في إنتاج المعرفة وصناعتها ومن أبرزها التعلم، والتعلم التنظيمي، ومنظمات التعلم، والاستشارات، والتدريب، والمؤتمرات، والمطبوعات، والبحث والتطوير إذ إنها نشاطات تهتم بالمعرفة.
لذا، تسعى الحكومات إلى تعليم أبناء شعوبها صناعة المعرفة وإنتاجها، ولكن لن يتم ذلك إلا إذا كانت الحكومات أصلا قائمة على المعرفة والتعلم، وتأخذ صفة التعلم المؤسسية، لبناء الأصول الفكرية التي تضاهي الأصول المادية، بل تفوقها أهمية.
مفهوم التعلم
يعرف التعلم بأنه عملية تنقيح الأفكار، وتحليلها من أجل تحويلها إلى معرفة تخدم متخذ القرار، ويعرف أيضأ بأنه التغير في السلوك، أو الأداء نتيجة الخبرة، ويعرف بأنه عملية التفاعل المتكامل المحفز بالمعرفة، والخبرات، والمهارات الجديدة المؤدية إلى تغيير دائم نسبية في السلوك، ونتائج الأعمال. (نجم، 2006).
ومهما تعددت مفاهيم التعلم وتنوعت فإن غالبيتها تدور حول فحوى عملية اكتساب المعرفة، إذ إن التعلم وسيلة مهمة وفاعلة في اكتساب المعرفة وتطبيقها، وإن التعلم عملية هادفة وتفاعلية وتكاملية يمكن تحفيزها.
التعلم التنظيمي (Organizational Learning)
ظهر في الفكر الإداري والتنظيمي الحديث العديد من المصطلحات التي لم تكن مألوفة من قبل، وغالبيتها تركز على العلم والتعلم والمعرفة والتمكين، بسبب الثورات العلمية والمعلوماتية والتقنية والبرمجية واستخدام شبكات الاتصالات الحديثة التي قربت المسافات، وجعلت من الكون قرية صغيرة. وهكذا، فإن عصرأ سريع التغير والتطور يحتم على المنظمات بأنواعها المتعددة ضرورة الاطلاع على كل ما يستجد، إن أرادت لنفسها البقاء والنمو، وعلى المنظمات أيضا أن تسهم في توليد المعرفة وتوظيفها، إن أرادت التميز.
ماهية التعلم التنظيمي
عرف Argirs 1997 التعلم التنظيمي بأنه تلك العملية التي يتم من خلالها اكتشاف الأخطاء وتصحيحها. وقد عرف Huber 1991 التعلم التنظيمي على أنه توظيف للمعلومات والمعارف المكتسبة لتغيير الأنماط السلوكية. كما عرفه فايول (1980) بأنه العملية المؤدية و إلى تحسين العمل من خلال المعرفة الفضلى والفهم الأحسن ، وهو بذلك يوصي بتوظيف المعرفة والاهتمام بالتعلم. أما هربرت سایمون (1191) فيعطي معنى أكثر شمولا حيث عرف التعلم الوظيفي بأنه التبصر وتعريف المشكلات التنظيمية بنجاح من قبل الأفراد وتنعكس أيضا على العناصر الهيكلية والمخرجات التنظيمية (درة، 2004 )
ومن هنا يمكن تعريف التعلم التنظيمي بأنه العملية، أو مجموع العمليات والنشاطات التي تسعى المنظمة من خلالها إلى تحسين قدراتها الكلية، وتطوير ذاتها وتفعيل علاقاتها مع بيئتها والتكيف معها سواء الخارجية أو الداخلية، وتعبئة العاملين، ليكونوا أكثر حماسأ ودافعية لمتابعة المعرفة وتوظيفها في المنظمة ؛ لإحداث التطور المستمر وتحقيق الكفاءة والفاعلية.
خصائص التعلم التنظيمي
يمتاز التعلم التنظيمي بالخصائص الآتية (درة،2004 ):
1- الحصول على معرفة جديدة وتجديد ذاكرة المنظمة.
2- ينصب على ذاكرة المنظمة (Organization Memory ) التي تحتوي على الأدلة التنظيمية، والهيكل التنظيمي، والملفات، والسجلات، والوثائق الرسمية، والقوانين والأنظمة والتعليمات، وثقافة المنظمة والأفراد العاملين.
3- يتكون نتيجة الخبرات والتجارب التي مرت بها المنظمة وتوظيفها في التجارب اللاحقة.
4- نشاط هادف للتعلم المستمر.
أبعاد التعلم التنظيمي
للتعلم التنظيمي انعكاسات وآثار إيجابية تنعكس على المنظمة وتؤثر إيجابيا في أعمالها ونتائج الأعمال، ويمكن إجمالها فيما يأتي (الملكاوي، 2007 ):
1- المستقبل القريب والبعيد : إذ يتم استشراف المستقبل واستحضاره وإخضاعه للتحليل، والدراسة من أجل وضع الاستراتيجيات الملائمة، وتهيئة الوسائل المناسبة للتعامل معه لضمان البقاء، والاستمرار، والنمو، ومواجهة التحديات، والاستعداد لها بشكل دائم.
2- البيئة الداخلية والخارجية : من أجل معرفة القوى الفاعلة والمؤثرة، واكتشاف الطاقات الفكرية البشرية، وما تتطلع إليه من أهداف، وما تتطلبه من وسائل لتحقيقها، حيث ترسم السياسات التي من شأنها عمل توازن بين الأهداف والوسائل، وأيضا بين العرض والطلب والتوفيق بين الحقوق والواجبات لتحقيق العدالة في توزيع الدخول، وتوزيع الصلاحيات.
3- الموارد والطاقات المتاحة والكامنة وعناصر القوة والضعف لتعزيز أماكن القوة، والتغلب على أماكن الضعف من خلال التدريب وإعداد الوسائل اللازمة لذلك.
أساليب التعلم التنظيمي
وتشير إلى الكيفية التي يتم من خلالها التعلم التنظيمي. وللتعلم على صعيد المنظمات أساليب عدة لكل منها إيجابياته وسلبياته، كما أن اختيار أي منها يعتمد على طبيعة عمل المنظمة وإمكاناتها المادية والبشرية ونوعية المعرفة التي تريد الحصول عليها، ومن أبرز هذه الأساليب (1995،Argirs) :
1- التعلم أحادي الاتجاه (Single Loop Learning) وبموجب هذا الأسلوب يتعلم العاملون من نتائج ومخرجات أعمالهم وممارساتهم، فإذا كانت النتائج والمخرجات إيجابية، فإن العاملين يحرصون على ممارسة تلك الأفعال نفسها التي ادت الى ذلك وتكرارها، لتصبح فيما بعد قرارات مبرمجة تتخذ في المواقف المتكررة بدون بذل جهد أو مراجعة، وإذا كانوا غير راضين عن النتائج أو المخرجات، عندها يتم التوقف عن تلك الأفعال والممارسات التي تؤدي إلى ذلك.
2- التعلم مزدوج الاتجاه (Double Loop Learning) ووفق هذا الأسلوب من التعلم يتجه العاملون إلى توسيع دائرة التعلم، ويبحثون عن وسائل جديدة للتعلم ومعارف جديدة وكيفية تطبيقها أي توظيف المعرفة، فبدلا من أن يظل التعلم مرتبطأ بالبحث عن حلول المشكلات أو معالجة الانحرافات، فإن البحث يتجه نحو أسباب المشكلات وعن القرارات البديلة التي يمكن أن تحول دون وقوعها، فهو تعلم مستقبلي استراتيجي أكثر منه انعكاسات أو ارتدادة أو نتيجة أفعال، وهويتطلب التفكير والتأمل، ويدخل هذا الأسلوب من التعلم ضمن التعلم التنظيمي المعاصر.
وتحدث (Contance James) عن التعلم التجمعي (Collective Learning) والتعلم التوليدي والتأهيلي (Generative Learning) وهناك التعلم السينوروجوجي الذي يشير إلى التعلم الذي يعتمد على فرق العمل ومجموعات التعلم الذاتي، Blacke & Mouton 1996
خطوات التعلم التنظيمي
يمكن إجمال خطوات التعلم التنظيمي بالخطوات الآتية (الملكاوي، 2007):
1- إدراك الفجوة أو التناقض بين ما هو قائم ومطبق فعلية، وبين ما تدعو إليه القواعد والمعايير التي يتم بموجبها تقييم الأداء.
2- إطلاق عملية التحقق والتحقيق (The Process of Inquiry)، وتعني هذه الخطوة بداية الدراسة الحقيقية لتحليل الواقع وتفسير الظواهر.
3- وضع الفكرة أو الحل المقترح، حيث يتم اختبار الحل أو الفكرة أو النموذج من حيث الصحة ومدى الدقة والملاءمة مع الواقع لإحداث التغيير المنشود، والتحول نحو الصورة الذهنية التي تسعى المنظمة للوصول إليها؛ لردم الهوة التي تم تشخيصها؛ وجعل ما هو قائم أقرب إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحال.
المعنيون بالتعلم التنظيمي
لا شك في أن للأفراد دورا كبيرا في كل شيء، فهم المورد الرئيس الذي لا تستطيع أي منظمة العمل بدونه، مهما بلغت درجة التقنية المستخدمة فيها، فعملية التعلم التنظيمي تبدأ بالأفراد وتنتهي بهم، وهم الذين يطبقون المعرفة على النشاطات والأعمال التي يقومون بها، فما يعرفه الفرد ينعكس على المنظمة، مرورا بالمستويات التنظيمية (الفرد، الجماعة، المنظمة) فالأفراد في أي منظمة هم أدوات التغيير وهم وكلاء المعرفة والتعلم التنظيمي، وهم الذين يعول عليهم في نشر التعلم التنظيمي وتبنيه على مستوى المنظمة (2002 ،Friedman).
لكن، من هم أفراد التعلم الذين يعدون وكلاء التعلم ؟ وما خصائصهم؟ وما القدرات التي يجب أن يتمتعوا بها؟ يقول في هذا الصدد ( Nonaka& Takuchi ) :
إنهم أولئك الذين يشغلون المواقع الأمامية، والمديرون التنفيذيون الذين يجمعون المعرفة ويولدونها ويجددونها، وهؤلاء يضمرونها حينا، ويظهرونها أحيانا أخرى (2002 :Friedman).
أما خصائص وكلاء التعلم؛ فهی :
1. قدرات عالية على التفكير.
2. الصبر والجلد.
3. درجة عالية من الوعي والالتزام.
4. الخبرات المتعددة والمتنوعة داخل المنظمة وخارجها.
5. مهارات عالية في التواصل والاتصال بالآخرين، ومحاورتهم وتبادل الآراء وإثرائها.
6. الحرص على تفوق المنظمة التي يعملون فيها.
معوقات التعلم التنظيمي
إن الطريق إلى التعلم التنظيمي ليست ممهدة وسهلة، بل يواجهها العديد من المعوقات التي تقف في طريقها، وذلك على صعيد المنظمة والمجتمع، وعلى مستوى الأفراد أنفسهم، فعلى مستوى المنظمة هنالك الهيكل التنظيمي التقليدي، والقيادة التقليدية، والثقافة التنظيمية، وضعف الإمكانات المادية والبشرية، وعدم توافر البنية التحتية اللازمة، وعدم رغبة المنظمة في التعلم التنظيمي.
وعلى مستوى الأفراد تتمثل بعدم توافر الأفراد المؤهلين القادرين على القيام بجميع الأعمال ذات العلاقة بالتعلم التنظيمي، فضلا عن عدم رغبة الأفراد في التعلم، وضعف إقبالهم عليه، إذ إنهم غير مبادرين، ولا يريدون تطوير أنفسهم.
وعلى مستوى المجتمع تشتمل المعوقات على العادات والتقاليد والحضارة أي الثقافة المجتمعية السائدة، إذ تؤدي هذه الأمور دورا مهما في إنعاش عملية التعلم أو إعاقتها، فضلا عن تفشي الجهل، والفقر، والتخلف، والأمية، وقلة الموارد ومحدوديتها، وعدم استغلالها بكفاءة وفاعلية، وفي بعض الأحيان السيطرة عليها من قلة من السكان، وعدم إتاحة فرص مواصلة التعلم للجميع حيث كانت محصورة على الفئات الميسورة اقتصاديا، نظرا لبعد المدارس عن بعض المناطق.
وللحد من آثار هذه العوامل السلبية المعوقة للتعلم التنظيمي، لا بد من وضع البرامج والخطط التي من شأنها أن تعمل على تشخيص الأسباب ومعالجتها.
المراجع
1- الملكاوي، إبراهيم الخلوف. (2007). إدارة المعرفة الممارسات والمفاهيم، دار الوراق، عمان – الأردن. 2- درة، عبد الباري. (2004). «المنظمة الساعية للتعلم المستمر» المفهوم والدلالات للمؤسسات الأكاديمية والتربوية العربية في أوائل القرن الحادي والعشرين»، رسالة المعلم، مج 43، ع 1.
3 – نجم، عبود. (2005). إدارة المعرفة، المفاهيم والاستراتيجيات والعمليات، عمان. الوراق.
4- Friedman, V. (2002). «The Individual as Agent of organizational Learning», California Management Review, No2,
5- Blacke. R & j Mouton. (1996). New Strategy for Education, Synorgy, UK
6- Argirs, C. (1997). «Douple Loop Learning», Harvard Business Review, Sep
7- Huber, G. (1991). Organizational Learning, Organizational Science , feb
8-Simon, H. (1991). «Bounded Rational Organizational Learning»,Organizational Science , No.2
9- Argirs, C. (1995). Organizational Learning, Black well publication, England. 10- Nanoka, Takuchi & I. H. (1994). The knowledge Creating Company, N4
Oxford University Press
المصدر
http://al3loom.com/?p=24150
مصدر الصورة
pixabay.com
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0تعليقات